الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{وَإِذَا كَالُوهُمۡ أَو وَّزَنُوهُمۡ يُخۡسِرُونَ} (3)

{ وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَّزَنُوهُمْ } أي كالوا لهم أو وزنوا لهم ، يقال : وزنتك حقّك ، وكِلْتك طعامك بمعنى وزنت لك وكلت لك ، قال الفراء : وهي لغة أهل الحجاز ومَنْ جاوزهم من [ . . . . . . ] قال : وسمعتُ أعرابية تقول : إذا صدر الناس أتينا التاجر فيكيلنا المد والمدين إلى الموسم المقبل .

قال أبو عبيد : وكان عيسى بن عمر يجعلها حرفين حرفين ويقف على : كالوا ووزنوا ، ثمّ يبتدئ فيقول : هم يخسرون ، قال : وأحسب قراءة حمزة أيضاً كذلك ، قال أبو عبيد : والأختيار أن يكون كلمة واحدة من جهتين : إحداهما : الخط ، وذلك أنهم كتبوها بغير ألف ، ولو كانتا مقطوعتين لكانتا كالوا ووزنوا بالألف على ما كتبوا الأفعال كلّها مثل : فاءوا وجاءوا [ . . . ] المصاحف إلاّ على إسقاطها .

والجهة الأُخرى : أنه يقال : كلتك ووزنتك بمعنى كلتُ لك ووزنت لك ، وهو كلام عربي كما يقال : صدتك وصدت لك وكسبتك وكسبت لك ومثله كثير .

{ يُخْسِرُونَ } ينقصون .

حدّثنا أبو محمد المخلدي قال : أخبرنا ابن الشرقي قال : حدّثنا عبدالرحمن بن بشر قال : حدّثنا علي بن الحسين بن واقد ، قال : حدّثني أبي قال : حدّثني يزيد النحوي أن عكرمة حدّثه عن ابن عباس قال : لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة كانوا من أخبث الناس كيلاً ، فأنزل الله سبحانه { وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ } فأحسنوا الكيل .

وقال القرطبي : كان بالمدينة تجارٌ يُطفّفون وكانت بياعتهم كشبه القِمار والمنابذة والملامسة والمخاطرة فأنزل الله سبحانه هذه الآية . فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السوق وقرأها عليهم ، وقال السدي : قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وبها رجل يقال له أبو جهينة ومعه صاعان يكيل بأحدهما ويكتال بالآخر فأنزل الله سبحانه هذه الآية .

وأخبرني ابن فنجويه قال : حدّثنا بن يوسف قال : حدّثنا ابن عمران قال : حدّثنا أبو الدرداء ، عبد العزيز [ بن منيب ] قال : حدّثنا إسحاق بن عبد الله بن كيسان عن أبيه عن الضحاك ومجاهد وطاووس عن ابن عباس قال : " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " خمس لخمس " قالوا : يا رسول الله وما خمس لخمس ؟ قال : " ما نقض قوم العهد إلاّ سلّط عليهم عدوّهم ، وما حكموا بغير ما أنزل الله إلاّ فشا فيهم الفقر ، وما ظهرت فيهم الفاحشة إلاّ فشا فيهم الموت ، ولا طفّفوا الكيل إلاّ منعوا النبات وإخذوا بالسنين ، ولا منعوا الزكاة إلاّ حبس عنهم القطر " .

وأخبرني بن فنجويه قال : حدّثنا ابن ماجة قال : حدّثنا ابن أيوب قال : حدّثنا القصواني قال : حدّثنا سنان بن حاتم قال : حدّثنا حفص قال : حدّثنا مالك بن دينار قال : دخلتُ على جار لي وقد نزل به الموت فجعل يقول : جبلين من نار جبلين من نار ، قال : قلت : ما تقول أتهجر ؟ قال : يا أبا يحيى كان لي مكيالان ، كنت أكيل بأحدهما وأكتال بالآخر ، قال : فقمت فجعلت أضرب أحدهما بالآخر فقال : يا أبا يحيى كلما ضربت أحدهما بالآخر إزداد عظماً فمات في وجعه .

وأخبرني ابن فنجويه قال : حدّثنا بن صقلان قال : حدّثنا محمد بن محمد بن النفاخ الباهلي قال : حدّثنا بركة بن محمد الحلبي عن عثمان بن عبدالرحمن عن النضر بن عدي قال : سمعتُ عكرمة يقول : أشهد على كلّ كيّال أو وزّان أنّه في النار ، قيل له : إنّ ابنك كيال أو وزان ، قال : أنا أشهد أنه في النار .

وأخبرني ابن فنجويه قال : حدّثنا الفضل بن الفضل قال : حدّثني عبد الله بن زكريا القاضي قال : حدّثنا العباس بن عبد الله بن أحمد قال : حدّثنا المبرد قال : حدّثنا الرياسي عن الأصمعي قال : قال لي إعرابي : لا تلتمس الحوائج ممن مروءته في رؤس المكاييل والسن الموازين ، وروى عبد خير أن عليّاً مرّ على رجل وهو يزن الزعفران وقد أرجح ، فكفا الميزان ، ثم قال : أقم الوزن بالقسط ، ثم أرجح بعد ذلك ما شئت ، وقال نافع كان ابن عمر يمرّ بالبائع فيقول : اتّقِ الله وأوفِ الكيل والوزن ، فإن المطفّفين يوقفون يوم القيامة حتى أن العرق ليلجمهم إلى أنصاف آذانهم .