{ فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً } قد تهدمت جدرانها على سقوفها وأوحشت من ساكنيها وعطلت من نازليها { بِمَا ظَلَمُوا } أي هذا عاقبة ظلمهم وشركهم بالله وبغيهم في الأرض
{ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } الحقائق ويتدبرون وقائع الله في أوليائه وأعدائه فيعتبرون بذلك ويعلمون أن عاقبة الظلم الدمار والهلاك وأن عاقبة الإيمان والعدل النجاة والفوز .
وقوله - سبحانه - : { فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظلموا . . } مقرر ومؤكد لما قبله من تدمير المفسدين وإهلاكهم .
أى : إن كنت - أيها المخاطب - تريد دليلا على تدميرهم جميعا ، فتلك هى بيوتهم خاوية وساقطة ومتهدمة على عروشها ، بسبب ظلمهم وكفرهم ومكرهم .
{ إِنَّ فِي ذلك } الذى فعلناه بهم من تدمير وإهلاك { لآيَةً } بينة ، وعبرة واضحة ، { لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } أى : يتصفون بالعلم النافع الذى يتبعه العمل الصالح .
وقوله : { قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ } أي : تحالفوا وتبايعوا على قتل نبي الله صالح ، عليه السلام ، من لقيه ليلا غيلة . فكادهم الله ، وجعل الدائرة عليهم .
قال مجاهد : تقاسموا وتحالفوا{[22084]} على هلاكه ، فلم يصلوا إليه حتى هلكوا وقومهم أجمعين .
وقال قتادة : توافقوا على أن يأخذوه ليلا فيقتلوه ، وذكر لنا أنهم بينما هم مَعَانيق إلى صالح ليفتكوا به ، إذ بعث الله عليهم صخرة فأهمدتهم .
وقال العوفي ، عن ابن عباس : هم الذين عقروا الناقة ، قالوا حين عقروها : نُبَيِّت صالحا [ وأهله ]{[22085]} وقومه فنقتلهم ، ثم نقول لأولياء صالح : ما شهدنا من هذا شيئا ، وما لنا به من علم . فدمرهم الله أجمعين .
وقال محمد بن إسحاق : قال هؤلاء التسعة بعدما عقروا الناقة : هَلُم فلنقتل صالحًا ، فإن كان صادقًا عجلناه قبلنا ، وإن كان كاذبًا كنا قد ألحقناه بناقته ! فأتوه ليلا ليبيِّتوه في أهله ، فدمغتهم الملائكة بالحجارة ، فلما أبطؤوا على أصحابهم ، أتوا مَنزل صالح ، فوجدوهم منشدخين قد رضخوا بالحجارة ، فقالوا لصالح : أنت قتلتهم ، ثم هموا به ، فقامت عشيرته دونه ، ولبسوا السلاح ، وقالوا لهم : والله لا تقتلونه أبدًا ، وقد وعدكم أن العذاب نازل بكم في ثلاث ، فإن كان صادقًا فلا تزيدوا ربكم عليكم غضبًا ، وإن كان كاذبا فأنتم من وراء ما تريدون . فانصرفوا عنهم ليلتهم تلك .
وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم : لما عقروا الناقة وقال لهم صالح : { تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ } [ هود : 65 ] ، قالوا : زعم صالح أنه يفرغ منا إلى ثلاثة أيام ، فنحن نفرغ منه وأهله قبل ثلاث . وكان لصالح مسجد في الحجْر عند شعب هناك يصلي فيه ، فخرجوا إلى كهف ، أي : غار هناك ليلا فقالوا : إذا جاء يصلي قتلناه{[22086]} ، ثم رجعنا إذا فرغنا منه إلى أهله ، ففرغنا منهم . فبعث الله صخرة من الهضَب حيالهم ، فخشوا أن تشدخهم فتبادروا{[22087]} فانطبقت عليهم الصخرة وهم في ذلك الغار ، فلا يدري قومهم أين هم ، ولا يدرون ما فعل بقومهم . فعذب الله هؤلاء هاهنا ، وهؤلاء هاهنا ، وأنجى الله صالحًا ومن معه ، ثم قرأ : { وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً } أي : فارغة ليس فيها أحد { بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ . وَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ } .
وتفريع قوله : { فتلك بيوتهم خاوية } على جملة : { دمرناهم } لتفريع الإخبار . والإشارة منصرفة إلى معلوم غير مشاهد لأن تحققه يقوم مقام حضوره فإن ديار ثمود معلومة لجميع قريش وهي في طريقهم في ممرّهم إلى الشام .
وانتصب { خاوية } على الحال . وعاملها ما في اسم الإشارة من معنى الفعل كقوله تعالى : { وهذا بعْلِي شيخاً } وقد تقدم في سورة هود ( 72 ) .
والخاوية : الخالية ، ومصدره الخَواء ، أي فالبيوت باق بعضها في الجبال لا ساكن بها .
والباء في بما ظلموا } للسببية ، و ( ما ) مصدرية ، أي كان خَواؤها بسبب ظلمهم . والظلم : الشرك وتكذيب رسولهم ، فذلك ظلم في جانب الله لأنه اعتداء على حق وحدانيته ، وظلم للرسول بتكذيبه وهو الصادق .
ولما خص الله عملهم بوصف الظلم من بين عدة أحوال يشتمل عليها كفرهم كالفساد كان ذلك إشارة إلى أن للظلم أثراً في خراب بلادهم .
وهذا معنى ما روي عن ابن عباس أنه قال : أجد في كتاب الله أن الظلم يخرّب البيوت وتلا : { فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا } . وهذا من أسلوب أخذ كل ما يُحتمل من معاني الكلام في القرآن كما ذكرناه في المقدمة التاسعة من مقدمات هذا التفسير .
ونزيده هنا ما لم يسبق لنا في نظائره ، وهو أن الحقائق العقلية لما كان قوام ماهياتها حاصلاً في الوجود الذهني كان بين كثير منها انتساب وتقارب يُردّ بعضها إلى بعض باختلاف الاعتبار . فالشرك مثلاً حقيقة معروفة يكون بها جنساً عقلياً وهو بالنظر إلى ما يبعث عليه وما ينشأ عنه ينتسب إلى حقائق أخرى مثل الظلم ، أي الاعتداء على الناس بأخذ حقوقهم فإنه من أسبابه ، ومثل الفسق فإنه من آثاره ، وكذلك التكذيب فإنه من آثاره أيضاً : { وذرني والمكذبين } [ المزمل : 11 ] ، ومثل الكبر ومثل الإسراف فإنهما من آثاره أيضاً . فمن أساليب القرآن أن يعبر عن الشرك بألفاظ هذه الحقائق للإشارة إلى أنه جامع عدة فظائع ، وللتنبيه على انتسابه إلى هذه الأجناس ، وليعلم المؤمنون فساد هذه الحقائق من حيث هي فيعبر عنه هنا بالظلم وهو كثير ليعلم السامع أن جنس الظلم قبيح مذموم ، ناهيك أن الشرك من أنواعه . وكذلك قوله : { إن الله لا يهدي من هو مُسرف كذّاب } [ غافر : 28 ] أي هو متأصل في الشرك وإلا فإن الله هدى كثيراً من المسرفين والكاذبين بالتوبة ، ومن قوله : { أليس في جهنم مثوى للمتكبرين } [ الزمر : 60 ] ونحو ذلك .
وجملة : { إن في ذلك لآية } معترضة بين الجمل المتعاطفة . والإشارة إلى ما ذكر من عاقبة مكرهم . والآية : الدليل على انتصار الله لرسله .
واللام في { لقوم يعلمون } لام التعليل يعني آية لأجلهم ، أي لأجل إيمانهم . وفيه تعريض بأن المشركين الذين سبقت إليهم هذه الموعظة إن لم يتعظوا بها فهم قوم لا يعلمون .
وفي ذكر كلمة ( قوم ) إيماء إلى أن من يعتبر بهذه الآية متمكن في العقل حتى كان العقل من صفته القومية ، كما تقدم في قوله تعالى : { لآيات لقوم يعقلون } في سورة البقرة ( 164 ) .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.