المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَمَآ أَدۡرَىٰكَ مَا ٱلۡحَآقَّةُ} (3)

3- وأي شيء أدراك حقيقتها ، وصور لك هولها وشدتها ؟ .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَمَآ أَدۡرَىٰكَ مَا ٱلۡحَآقَّةُ} (3)

{ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ } فإن لها شأنا عظيما وهولا جسيما ، [ ومن عظمتها أن الله أهلك الأمم المكذبة بها بالعذاب العاجل ]{[1204]}

ثم ذكر نموذجا من أحوالها الموجودة في الدنيا المشاهدة فيها ، وهو ما{[1205]}  أحله من العقوبات البليغة بالأمم العاتية فقال : { كَذَّبَتْ ثَمُودُ }


[1204]:- من هامش أ.
[1205]:- كذا في ب، وفي أ: ومما.
 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَمَآ أَدۡرَىٰكَ مَا ٱلۡحَآقَّةُ} (3)

و " ما " فى قوله { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا الحاقة } اسم استفهام المقصود به هنا التهويل والتعظيم ، وهى مبتدأ . وخبرها جملة { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا الحاقة } وما الثانية وخبرها فى محل نصب سادة مسد المفعول الثانى لقوله { أَدْرَاكَ } لأن أدرى يتعدى لمفعولين ، الأول بنفسه والثانى بالباء ، كما فى قوله - تعالى - : { قُل لَّوْ شَآءَ الله مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَدْرَاكُمْ بِهِ } .

وهذا الأسلوب الذى جاءت به هذه الآيات الكريمة ، فيه ما فيه من التهويل من شأن الساعة ، ومن التعظيم لأمرها ، فكأنه - تعالى - يقول : يوم القيامة الذى يخوض فى شأنه الكافرون ، والذى تَحِق فيه الأمور وتثبت . أتدرى أى شئ عظيم هو ؟ وكيف تدرى أيها المخاطب ؟ ونحن لم نحط أحدا بكنه هذا اليوم ، ولا بزمان وقوعه ؟

وإنك - أيها العاقل - مهما تصورت هذا اليوم ، فإن أهواله فوق ما تتصور ، وكيفما قدرت لشدائده : فإن هذه الشدائد فوق ما قدرت .

ومن مظاهر هذا التهويل لشأن يوم القيامة افتتاح السورة بلفظ " الحاقة " الذى قصد به ترويع المشركين ، لأن هذا اللفظ يدل على أن يوم القيامة حق .

كما أن تكرار لفظ " ما " ثلاث مرات ، مستعمل - أيضا - فى التهويل والتعظيم ، كما أن إعادة المبتدأ فى الجملة الواقعة خبرا عنه بلفظه ، بأن قال { مَا الحآقة } ولم يقل ما هى : يدل أيضا على التهويل .

لأن إظهار فى مقام الإِضمار يقصد به ذلك ، ونظيره قوله - تعالى - : { وَأَصْحَابُ اليمين مَآ أَصْحَابُ اليمين } { وَأَصْحَابُ الشمال مَآ أَصْحَابُ الشمال } والخطاب فى الآيات الكريمة ، لكل من يصلح له ، لأن المقصود تنبيه الناس إلى أن الساعة حق . وأن الحساب والجزاء فيها حق ، لكى يستعدوا لها بالإِيمان والعمل الصالح .

قال بعض العلماء ما مخلصه : واستعمال " ما أدراك " غير استعمال " ما يدريك " . . فقد روى عن ابن عباس أنه قال : كل شئ من القرآن من قوله { وَمَآ أَدْرَاكَ } فقد أدراه ، وكل شئ من قوله : { وَمَا يُدْرِيكَ } فقد طوى عنه .

فإن صح هذا عنه فمراده أن مفعول " ما أدراك " محقق الوقوع ، لأن الاستفهام فيه للتهويل وأن مفعول " ما يدريك " غير محقق الوقوع لأن الاستفهام فيه للإِنكار ، وهو فى معنى نفى الدراية .

قال - تعالى - : { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ . نَارٌ حَامِيَةٌ } وقال - سبحانه - { وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ الساعة قَرِيبٌ }

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَمَآ أَدۡرَىٰكَ مَا ٱلۡحَآقَّةُ} (3)

الحاقةُ من أسماء يوم القيامة ؛ لأن فيها يَتَحقَّقُ الوَعدُ والوَعيد ؛ ولهذا عَظَّم تعالى أمرَها فقال : { وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ } ؟

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَمَآ أَدۡرَىٰكَ مَا ٱلۡحَآقَّةُ} (3)

يقول تعالى ذكره : الساعة الْحاقّةُ التي تحقّ فيها الأمور ، ويجب فيها الجزاء على الأعمال ما الْحاقّةُ يقول : أيّ شيء الساعة الحاقة . وذُكر عن العرب أنها تقول : لما عرف الحاقة متى والحقة متى ، وبالكسر بمعنى واحد في اللغات الثلاث ، وتقول : وقد حقّ عليه الشيء إذا وجب ، فهو يحقّ حقوقا . والحاقة الأولى مرفوعة بالثانية ، لأن الثانية بمنزلة الكناية عنها ، كأنه عجب منها ، فقال : الحاقة : ما هي كما يقال : زيد ما زيد . والحاقة الثانية مرفوعة بما ، وما بمعنى أي ، وما رفع بالحاقة الثانية ، ومثله في القرآن وأصحَابُ اليَمِين ما أصحَابُ اليَمِينِ و القارِعَةُ ما القارِعَةُ فما في موضع رفع بالقارعة الثانية والأولى بجملة الكلام بعدها . وبنحو الذي قلنا في قوله : الْحاقّةُ قال أهل التأويل ذكر من قال ذلك :

حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، في قوله الْحاقّةُ قال : من أسماء يوم القيامة ، عظمه الله ، وحذّره عباده .

حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا ابن يمان ، عن شريك ، عن جابر ، عن عكرِمة قال : الْحاقّةُ القيامة .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا بزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : الْحاقّةُ يعني الساعة أحقت لكل عامل عمله .

حدثني ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة الْحاقّةُ قال : أحقت لكلّ قوم أعمالهم .

حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : حدثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : الْحاقّةُ يعني القيامة .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : الْحاقّةُ ما الْحاقّةُ و القَارعةُ ما القارعة و الواقعةُ و الطّامّة و الصّاخّة قال : هذا كله يوم القيامة الساعة ، وقرأ قول الله : لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ خافِضَةٌ رَافِعَةٌ والخافضة من هؤلاء أيضا خفضت أهل النار ، ولا نعلم أحدا أخفض من أهل النار ، ولا أذلّ ولا أخرى ورفعت أهل الجنة ، ولا نعلم أحدا أشرف من أهل الجنة ولا أكرم . وقوله : وَما أدْرَاكَ ما الْحاقّةُ يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : وأيّ شيء أدراك وعرّفك أيّ شيء الحاقة .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان قال : ما في القرآن «وما يدريك » فلم يخبره ، وما كان «وما أرداك » ، فقد أخبره .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : وَما أدْرَاكَ ما الْحاقّةُ تعظيما ليوم القيامة كما تسمعون .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَمَآ أَدۡرَىٰكَ مَا ٱلۡحَآقَّةُ} (3)

وجملة { ومَا أدراك ما الحاقّة } يجوز أن تكون معترضة بين جملة { ما الحاقّة } وجملة { كذبت ثمود وعاد بالقارعة } [ الحاقة : 4 ] ، والواو اعتراضية .

ويجوز أن تكون الجملة معطوفة على جملة { ما الحاقة } .

و{ مَا } الثانية استفهامية ، والاستفهام بها مكنَّى به عن تعذر إحاطة علم الناس بكنه الحاقّة لأن الشيء الخارج عن الحد المألوف لا يتصور بسهولة فمن شأنه أن يُتساءل عن فهمه .

والخطابُ في قوله : { وما أدراك } لغير معيَّن . والمعنى : الحاقة أمر عظيم لا تدركون كُنْهَهُ .

وتركيب « مَا أدراك كذا » مما جرى مجرى المثل فلا يغير عن هذا اللفظ وهو تركيب مركب من { ما } الاستفهامية وفعل ( أدرى ) الذي يتعدى بهمزة التعدية إلى ثلاثة مفاعيل من باب أعلمَ وأرى ، فصار فاعل فعله المجرد وهو ( دَرى ) مفعولاً أول بسبب التعدية . وقد علق فعل { أدراك } عن نصب مفعولين ب { ما } الاستفهامية الثانية في قوله : { مَا الحاقّة } . وأصل الكلام قبل التركيب بالاستفهام أن تقول : أدركْتُ الحاقّة أمراً عظيماً ، ثم صار أدْركني فلان الحاقّة أمراً عظيماً .

و{ ما } الأولى استفهامية مستعملة في التهويل والتعظيم على طريقة المجاز المرسل في الحرف ، لأن الأمر العظيم من شأنه أن يستفهم عنه فصار التعظيم والاستفهام متلازمين . ولك أن تجعل الاستفهام إنكارياً ، أي لا يدري أحد كنه هذا الأمر .

والمقصود من ذلك على كلا الاعتبارين هو التهويل .

هذا السؤال كما تقول : علمت هل يسافر فلان .

و { مَا } الثالثة علقت فعل { أدراك } عن العمل في مفعولين .

وكاف الخطاب فيه خطاب لغير معين فلذلك لا يقترن بضمير تثنية أو جمع أو تأنيث إذا خوطب به غير المفرد المذكر .

واستعمال { ما أدراك } غير استعمال { ما يدريك في قوله تعالى : { وما يدريك لعل الساعة تكون قريباً } [ الأحزاب : 63 ] وقوله : { وما يدريك لعل الساعة قريب } في سورة الشورى ( 17 ) .

روي عن ابن عباس : كل شيء من القرآن من قوله : { ما أدراك } فقد أدرَاه وكل شيء من قوله : { وما يدريك } فقد طُوي عنه » . وقد روي هذا أيضاً عن سفيان بن عيينة وعن يحيى بين سلاّم فإن صح هذا المروي فإن مرادهم أن مفعول { ما أدراك } محقق الوقوع لأن الاستفهام فيه للتهويل وأن مفعول { ما يدريك } غير محقق الوقوع لأن الاستفهام فيه للإِنكار وهو في معنى نفي الدراية .

وقال الراغب : كل موضع ذُكر في القرآن { وما أدراك } فقد عقب ببيانه نحو { وما أدراك ماهيه نار حامية } [ القارعة : 10 11 ] ، { وما أدراك ما ليلة القدر ليلة القدر خير من ألف شهر } [ القدر : 2 3 ] ، { ثم ما أدراك ما يوم الدين يومَ لا تملك نفس لنفس شيئاً } [ الانفطار : 18 19 ] ، { وما أدراك ما الحاقّة كذبت ثمود وعاد بالقارعة } [ الحاقة : 3 4 ] ، وكأنه يريد تفسير ما نقل عن ابن عباس وغيره .

ولم أرَ من اللغويين من وفَّى هذا التركيب حقه من البيان وبعضهم لم يذكره أصلاً .