تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَمَآ أَدۡرَىٰكَ مَا ٱلۡحَآقَّةُ} (3)

الآية3 وقوله تعالى : { وما أدراك ما الحاقة } ؟ فهو تعظيم أمر ذلك اليوم أيضا ، أو { وما أدراك ما الحاقة } ؟ أي لم تكن تدري ، فأدراك الله تعالى ، لأنه لم يكن خبر القيامة [ في ]{[21870]} علمك ولا علم قومك . لكن الله تعالى أطلعك عليه لأن قومك{[21871]}كانوا منكري البعث ، ولم يكن عندهم من خبره شيء ، ذلك أن الله عز وجل لما ذكر لهم من دلائل البعث التي حججه تدركها العقول والحكمة من إحالة التسوية بين الفاجر والبر والمطيع والعاصي وأنه لا يجوز كون هذا العالم عبثا باطلا ، والدلائل الأخر التي لا يأتي عليها الإحصاء ، فلما لم يقنعهم ذلك ، ولم يتفكروا في خلق السماوات والأرض ، ولا اعتبروا بالآيات ، احتج عليهم بما لقي من سلفهم من مكذبي البعث ومنكري الرسل حين {[21872]} استأصلهم ، فلم يبق منهم سلف ولا خلف عنهم خلف ليكون ذلك أبلغ في الإنذار وذلك قوله تعالى : { كذبت ثمود وعاد بالقارعة } ذكّرهم بما حل بثمود وعاد وما أصابهم بتكذيبهم الرسل .

يقول : سيصيبكم بتكذيبكم محمدا صلى الله عليه وسلم في ما يخبركم من الأنباء عن الله تعالى كما أصاب {[21870]} ثمودا وعادا بتكذيبهم رسلهم ، لينتهوا عن تكذيبه .

أو يخبرهم أن ثمودا وعادا كذبوا رسلهم حتى صاروا إلى الهلاك فندموا {[21871]} على ما سبق من تكذيبهم ، فستندمون أيضا إن دمتم على تكذيبكم محمدا صلى الله عليه وسلم في ما يأتيكم من الأنباء بعد/590بوتكم .

ثم ذكر لهم نبأ عاد وثمود وما {[21872]} كانوا مكذبين بتلك الأنباء لئلا يبقى لهم يوم القيامة حجة ، فيقولوا : { إنا كنا عن هذا غافلين } [ الأعراف : 172 ] ولأنهم لو بحثوا عن علم ذلك لكانت هذه الآيات والأنباء تحقق لهم ذلك . فقد وقعت هذه الآيات موقع الحجاج ، لولا إغفالهم وإعراضهم عنها ، فانقطع عذرهم ، ولزمتهم الحجة لأن {[4]} تركوا الإيمان بها .

ثم قوله عز وجل { الحاقة } { ما الحاقة } ؟ { وما أدراك ما الحاقة } ؟ وقوله تعالى : { القارعة } { ما القارعة } ؟ { وما أدراك ما القارعة } ؟ [ القارعة1و2و3 ] يحتمل أن يكون هذا مخاطبة كل مكذب بالبعث ، لا مخاطبة الرسول كقوله تعالى : { يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم } ؟ [ الانفطار : 6 ] الذي إنه خطاب لمن يغتر بالدنيا لا لرسول الله صلى الله عليه وسلم تعالى ، وجائز أن يكون يخاطب به رسوله عليه السلام ، فإن صرف الخطاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم اقتضى معنى غير ما يقتضيه لو أريد بالخطاب المكذبون .

والأصل أن قول القائل : فلان وما فلان ؟ يوجب اجتذاب الأسماع ، ويستدعي السامع للبحث في الشاهد ، لأنه إنما يذكر فلان بهذا لأعجوبة فيه أو لعظم أمره فيستبحث عن ذلك ليوقعه على تلك الأعجوبة التي فيه .

فإن كان الخطاب للمكذبين دعاهم ذلك إلى تعرف ما فيه من الأعجوبة والتعظيم . وفي قوله : { وما أدراك ما الحاقة } مبالغة في التعجب ، وإذا نظروا فيه ، وفهموه ، دعاهم ذلك إلى الإيمان به ، فصارت الآية في موضع الإغراء واجتذاب الأسماع . .

وإن كان الخطاب في رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فتأويله أن المكذبين يؤذونه ، ويمكرون به ، فيتأذّى بهم ، ويشتد ذلك عليه ، فذكر ما ينزل بهم من العذاب ، ويحق عليهم ، فيكون فيه بعض التسلي عما أصابه [ من ]{[5]} الأذى من ناحيتهم ، أو ذكره ، أن العذاب يحق عليهم ، فلا يحزن بصنيعهم ، بل يحمله ذلك على الشفقة عليهم والرحمة لهم .

وقيل : إن كان الخطاب في المكذبين ففيه تخويف لأهل مكة وتهويل أنهم إن كذبوا رسولهم في ما يخبرهم من أمر البعث نزل بهم من العذاب ما نزل بعاد وثمود بتكذيبهم الرسل ، وقد عرف أهل مكة ما نزل بأولئك .

وإن كان الخطاب في رسول الله صلى الله عليه وسلم ففي ذكر نبإ عاد وثمود ما يدعوه إلى الصبر على أذاهم ، ويكون ، له بعض التسلي [ بأنه يخبره ]{[6]} أنك لست بأول رسول كذب ، بل شركك الرسل من قبل ، وابتلوا بالتكذيب .


[4]:- من ط ع، في الأصل: الشكر.
[5]:- من ط ع، في الأصل: ذا.
[6]:- نفسه.
[21870]:ساقطة من الأصل و م.
[21871]:في الأصل و م:قومه.
[21872]:في الأصل و م:حيث.