{ 34 } { الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ إِلَى جَهَنَّمَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ سَبِيلًا } .
يخبر تعالى عن حال المشركين الذين كذبوا رسوله وسوء مآلهم ، وأنهم { يُحْشَرُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ } أشنع مرأى ، وأفظع منظر ، تسحبهم ملائكة العذاب ويجرونهم { إِلَى جَهَنَّمَ } الجامعة لكل عذاب وعقوبة . { أُولَئِكَ } الذين بهذه الحالة { شَرٌّ مَكَانًا } ممن آمن بالله وصدق رسله ، { وَأَضَلُّ سَبِيلًا } وهذا من باب استعمال أفضل التفضيل فيما ليس في الطرف الآخر منه شيء فإن المؤمنين حسن مكانهم ومستقرهم ، واهتدوا في الدنيا إلى الصراط المستقيم وفي الآخرة إلى الوصول إلى جنات النعيم .
ثم بين - سبحانه - سوء مصيرهم بسبب أقوالهم الباطلة ، وأفعالهم القبيحة ، فقال - تعالى - : { الذين يُحْشَرُونَ على وُجُوهِهِمْ إلى جَهَنَّمَ } أى : يحشرون ماشين على وجوههم أو يسحبون عليها إلى جهنم ، بسبب كفرهم وعنادهم .
{ أولئك } الذين نفعل بهم ذلك { شَرٌّ مَّكَاناً } أى : منزلا ومكانا ومصيرا لهم هو جهنم وأولئك - أيضا - هم أضل الناس طريقا عن طريق الحق والرشاد ، ولذا كانت طريقهم لا توصلهم إلا إلى النار وبئس القرار .
قال الإمام ابن كثير : وفى الصحيح عن أنس : أن رجلا سأل النبى صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله كيف يحشر الكافر على وجهه يوم القيامة ؟ فقال : إن الذى أمشاه على رجليه قادر على أن يمشيه على وجهه يوم القيامة .
ثم قال تعالى مخبرا عن سوء حال الكفار في معادهم يوم القيامة وحشرهم إلى جهنم ، في أسوإ الحالات وأقبح الصفات : { الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ إِلَى جَهَنَّمَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ سَبِيلا } ، وفي الصحيح ، عن أنس : أن رجلا قال : يا رسول الله ، كيف يحشر الكافر على وجهه يوم القيامة ؟ فقال : " إن الذي أمشاه على رجليه قادر أن يُمشِيَه على وجهه يوم القيامة " {[21520]} وهكذا قال مجاهد ، والحسن ، وقتادة ، وغير واحد من المفسرين ، [ والله أعلم ]{[21521]} .
وقوله : الّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلى وُجُوهِهِمَ أُوَلَئِكَ شَرّ مَكانا ، يقول تعالى ذكره : لنبيه : هؤلاء المشركون يا محمد ، القائلون لك : " لَوْلا نُزّلَ هَذَا القُرآنُ جُمْلَةً واحِدة " ، ومن كان على مثل الذي هم عليه من الكفر بالله ، الذين يحشرون يوم القيامة على وجوههم إلى جهنم ، فيساقون إلى جهنم شرّ مستقرّا في الدنيا والاَخرة من أهل الجنة في الجنة ، وأضلّ منهم في الدنيا طريقا .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن مجاهد " الّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلى وُجُوهِهِمْ إلى جَهَنّمَ " قال : الذي أمشاهم على أرجلهم قادر على أن يمشيهم على وجوههم أُولَئِكَ شَرّ مَكانا من أهل الجنة وأضَلّ سَبِيلاً قال : طريقا .
حدثني محمد بن يحيى الأزدي ، قال : حدثنا الحسين بن محمد ، قال : حدثنا شيبان ، عن قَتادة ، قوله الّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلى وُجُوهِهِمْ إلى جَهَنّمَ قال : حدثنا أنس بن مالك أن رجلاً قال : يا رسول الله كيف يحشر الكافر على وجهه ؟ قال : «الّذِي أمْشاهُ عَلى رِجْلَيْهِ قادِرٌ أنْ يُمْشِيَهُ عَلى وَجْهه » .
حدثنا أبو سفيان الغنوي يزيد بن عمرو ، قال : حدثنا خلاد بن يحيى الكوفي ، قال : حدثنا سفيان الثوري ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، قال : أخبرني من سمع أنس بن مالك يقول : جاء رجل إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال : كيف يحشرهم على وجوههم ؟ قال : «الّذِي يَحْشُرُهُمْ عَلى أرّجُلِهِمْ قادِرٌ بأنْ يَحْشُرَهُمْ عَلى وُجُوههِمْ » .
حدثنا عبيد بن محمد الورّاق ، قال : حدثنا يزيد بن هارون ، قال : أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد ، عن أبي داود ، عن أنس بن مالك ، قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم : كيف يُحشر أهل النار على وجوههم ؟ فقال : «إنّ الّذِي أمْشاهُمْ عَلى أقْدامِهِمْ قادِرٌ عَلى أنْ يُمْشِيَهُمْ عَلى وُجُوهِهِمْ » .
حدثني أحمد بن المقدام قال : حدثنا حزم ، قال : سمعت الحسن يقول : قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الاَية : " الّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلى وُجُوهِهِمْ إلى جَهَنّمَ " فقالوا : يا نبي كيف يمشون على وجوههم ؟ قال : «أرأيْتَ الّذِي أمْشاهُمْ عَلى أقْدامِهِمْ ألَيْسَ قادِرا أنْ يُمْشِيَهُمْ عَلى وُجوهِهم » .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا منصور بن زاذان ، عن علي بن زيد بن جدعان ، عن أبي خالد ، عن أبي هريرة ، قال : «يحشر الناس يوم القيامة على ثلاثة أصناف : صنف على الدوابّ ، وصنف على أقدامهم ، وصنف على وجوههم » ، فقيل : كيف يمشون على وجوههم ؟ قال : «إن الذي أمشاهم على أقدامهم ، قادر أن يمشيهم على وجوههم » .
{ الذين يحشرون على وجوههم إلى جهنم } أي مقلوبين أو مسحوبين عليها ، أو متعلقة قلوبهم بالسفليات متوجهة وجوههم إليها . وعنه عليه الصلاة والسلام " يحشر الناس يوم القيامة على ثلاثة أصناف ، صنف على الدواب وصنف على الأقدام وصنف على الوجوه " وهو ذم منصوب أو مرفوع أو مبدأ خبره . { أولئك شر مكانا وأضل سبيلا } والمفضل عليه هو الرسول صلى الله عليه وسلم على طريقة قوله تعالى : { قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله من لعنه الله وغضب عليه } كأنه قيل إن حاملهم على هذه الأسئلة تحقير مكانه وتضليل سبيله ولا يعلمون حالهم ليعلموا أنهم شر مكانا وأضل سبيلا ، وقيل إنه متصل بقوله { أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا } ووصف السبيل بالضلال من الإسناد المجازي للمبالغة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.