واللام فى قوله : { لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ . . } متعلقة بقوله { لَّن تَبُورَ } على معنى ، يرجون تجارة لن تكسد لأجل أن يفويهم أجورهم التى وعدهم بها ، ويزيدهم فى الدنيا والآخرة من فضله ونعمه وعطائه .
أو متعلقة بمحذوف ، والتقدير : فعلوا ما فعلوا ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله { إِنَّهُ } - سبحانه - { غَفُورٌ } أى : واسع المغفرة { شَكُورٌ } أى : كثير العطاء لمن يطيعه ويؤدى ما كلفه به .
فهم يعرفون أن ما عند الله خير مما ينفقون . ويتاجرون تجارة كاسبة مضمونة الربح . يعاملون فيها الله وحده وهي أربح معاملة ؛ ويتاجرون بها في الآخرة وهي أربح تجارة . . تجارة مؤدية إلى توفيتهم أجورهم ، وزيادتهم من فضل الله . . ( إنه غفور شكور ) . . يغفر التقصير ويشكر الأداء . وشكره - تعالى - كناية عما يصاحب الشكر عادة من الرضا وحسن الجزاء . ولكن التعبير
واللام في قوله { ليوفيهم } متعلقة بفعل مضمر يقتضيه لفظ الآية تقديره وعدهم بأن لا تبور ، أو فعلوا ذلك كله ، أو أطاعوه ونحو هذا من التقديرات ، وقوله { ويزيدهم من فضله } قالت فرقة : هو تضعيف الحسنات من العشر إلى السبعمائة ، وتوفية الأجور على هذا هي المجازاة مقابلة ، وقالت فرقة : إن التضعيف داخل في توفيه الأجور ، وأما الزيادة من فضله إما النظر إلى وجهه تعالى ، وإما أن يجعلهم شافعين في غيرهم ، كما قال تعالى : { للذين أحسنوا الحسنى وزيادة }{[9726]} [ يونس : 26 ] و { غفور } معناه متجاوز عن الذنوب ساتر لها ، و { شكور } معناه مجاز عن اليسير من الطاعات مقرب لعبده .
و{ ليوفيهم } متعلق ب { يرجون } ، أي بشرناهم بذلك وقدَّرناه لهم لنوفيهم أجورهم . ووقع الالتفات من التكلم في قوله : { مما رزقناهم } إلى الغيبة رجوعاً إلى سياق الغيبة من قوله : { يتلون كتاب الله } أي ليوفي الله الذين يتلون كتابه .
والتوفية : جعل الشيء وافِياً ، أي تامّاً لا نقيصة فيه ولا غبن .
وأسْجلَ عليهم الفضل بأنه يزيدهم على ما تستحقه أعمالهم ثواباً من فضله ، أي كرمه ، وهو مضاعفة الحسنات الواردة في قوله تعالى : { كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة } [ البقرة : 261 ] الآية .
وذيل هذا الوعد بما يحققه وهو أن الغفران والشكران من شأنه ، فإنّ من صفاته الغفور الشكور ، أي الكثير المغفرة والشديد الشكر .
فالمغفرة تأتي على تقصير العباد المطيعين ، فإن طاعة الله الحقّ التي هي بالقلب والعمل والخواطر لا يبلغ حق الوفاء بها إلا المعصوم ولكن الله تجاوز عن الأمة فيما حدّثت به أنفسها ، وفيما همت به ولم تفعله ، وفي اللمم ، وفي محو الذنوب الماضية بالتوبة ، والشكر كناية عن مضاعفة الحسنات على أعمالهم فهو شكر بالعمل لأن الذي يجازي على عمل المجزيّ بجزاء وافر يدل جزاؤه على أنه حمد للفاعل فعله .
وأكد هذا الخبر بحرف التأكيد زيادة في تحقيقه ، ولما في التأكيد من الإِيذان بكون ذلك علة لتوفية الأجور والزيادة فيها .
وفي الآية ما يشمل ثواب قُرَّاء القرآن ، فإنهم يصدق عنهم أنهم من الذين يتلون كتاب الله ويقيمون الصلاة ولو لم يصاحبهم التدبر في القرآن فإن للتلاوة حظها من الثواب والتنوّر بأنوار كلام الله .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{ليوفيهم أجورهم} ليوفر لهم أعمالهم {ويزيدهم} على أعمالهم من الجنة {من فضله إنه غفور} للذنوب العظام {شكور} لحسناتهم.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
وقوله:"لِيُوَفّيَهُمْ أُجُورَهُمْ" يقول: ويوفيهم الله على فعلهم ذلك ثواب أعمالهم التي عملوها في الدنيا، "وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ "يقول: وكي يزيدهم على الوفاء من فضله ما هو له أهل...
وقوله: "إنّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ" يقول: إن الله غفور لذنوب هؤلاء القوم الذين هذه صفتهم، شكور لحسناتهم...
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
{ليوفّيهم أجورهم} وذلك ليس في الحقيقة أجرا لما يستوجبون الأجر قِبله بتلك الأعمال لما عليهم من الشكر في ما أنعم عليهم من أنواع النّعم حتى يتضرّعوا عند شكر ما أنعم عليهم فيكون ذلك أجرا لهم؛ لكنه عز وعلا بفضله وإنعامه وعد لهم الثواب والأجر على إحسانهم وأعمالهم الصالحات إفضالا منه، وسمّى ذلك تجارة، كأن ليس ذلك له في الحقيقة، ترغيبا منه الخلق على ذلك وتحريضا لهم في ذلك.
{ويزيدهم من فضله} على ذلك أيضا.
يحتمل قوله: {غفور} أي ستور لمساوئهم {شكور} أي مُظهرٌ لحسناتهم بإدخال إياهم الجنة ليعلم [كل] أحد أنه كان محسنا لا مسيئا، أو {غفورا} يتجاوز عن مساوئهم {شكورا} يقبل اليسير من العمل القليل منهم، يجزيهم على ذلك الجزيل من الثواب.
وقوله تعالى: {ليوفيهم أجورهم} أي ما يتوقعونه ولو كان أمرا بالغ الغاية {ويزيدهم من فضله} أي يعطيهم ما لم يخطر ببالهم عند العمل، ويحتمل أن يكون يزيدهم النظر إليه كما جاء في تفسير الزيادة {إنه غفور} عند إعطاء الأجور {شكور} عند إعطاء الزيادة.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
لما كان المراد بعدم هلاكها حفظها وبقاءها إلى يوم لقائه، علله بقوله مقتصراً على الضمير لأن السياق للمؤمنين، ولذا لفته إلى ضمير الغيبة لأن إيمانهم بالغيب
{ليوفيهم}: أي لنفاقها عنده سبحانه في الدنيا إن أراد أو في الآخرة أو فيهما.
{اجورهم} أي على تلك الأعمال {ويزيدهم} أي على ما جعله بمنه وبيمنه حقاً لهم عليها.
{من فضله} أي زيادة ليس لهم فيها تسبب أصلاً، بل هي بعد ما منّ عليهم بما قابل أعمالهم به مما يعرفون أنه جزاؤها مضاعفاً للواحد عشرة إلى ما فوق.
ولما كانت أعمالهم لا تنفك عن شائبة ما، وإن خلصت فلم يكن ثوابها لأنها منّ منه سبحانه مستحقاً، علل توفيتهم لها بقوله مؤكداً إعلاماً بأنه لا يسع الناس إلا عفوه لأنه لن يقدر الله أحد حق قدره وإن اجتهد، ولو واخذ أعبد العباد بما يقع من تقصيره أهلكه {إنه غفور} أي بمحو النقص عن العمل.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
فهم يعرفون أن ما عند الله خير مما ينفقون، ويتاجرون تجارة كاسبة مضمونة الربح، يعاملون فيها الله وحده وهي أربح معاملة؛ ويتاجرون بها في الآخرة وهي أربح تجارة.. تجارة مؤدية إلى توفيتهم أجورهم، وزيادتهم من فضل الله..
(إنه غفور شكور).. يغفر التقصير ويشكر الأداء، وشكره -تعالى- كناية عما يصاحب الشكر عادة من الرضا وحسن الجزاء...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
وذيل هذا الوعد بما يحققه؛ وهو أن الغفران والشكران من شأنه، فإنّ من صفاته الغفور الشكور، أي الكثير المغفرة والشديد الشكر، فالمغفرة تأتي على تقصير العباد المطيعين، فإن طاعة الله الحقّ التي هي بالقلب والعمل والخواطر لا يبلغ حق الوفاء بها إلا المعصوم ولكن الله تجاوز عن الأمة فيما حدّثت به أنفسها، وفيما همت به ولم تفعله، وفي اللمم، وفي محو الذنوب الماضية بالتوبة.
والشكر كناية عن مضاعفة الحسنات على أعمالهم، فهو شكر بالعمل؛ لأن الذي يجازي على عمل المجزيّ بجزاء وافر، يدل جزاؤه على أنه حمد للفاعل فعله.
وفي الآية ما يشمل ثواب قُرَّاء القرآن، فإنهم يصدق عنهم أنهم من الذين يتلون كتاب الله ويقيمون الصلاة، ولو لم يصاحبهم التدبر في القرآن؛ فإن للتلاوة حظها من الثواب والتنوّر بأنوار كلام الله.
ثم يقول سبحانه: {لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ..} أي: أنهم سيأخذون جزاء أعمالهم وعطائهم بوفاء من الله، ثم يزيدهم بعد ذلك من فضله تكرُّماً، قالوا هذه الزيادة أن تقبل شفاعتهم فيمن يحبون، فإنْ شفعوا لأحد من أحبابهم قَبِل الله شفاعتهم، لماذا؟ لأن لهم أياديَ سابقة على الفقراء والمحتاجين من عباد الله، يكرمهم الله من أجلها، ويتفضَّل عليهم كما تفضَّلوا على عباده.
ولك أنْ تسأل: لماذا ذُيِّلت الآية باسم الله (الغفور)، مع أنها تحدثت عن أعمال الخير من تلاوة كتاب الله، وإقامة الصلاة، والإنفاق في سبيل الله، فأيُّ شيء من هذه يحتاج إلى المغفرة؟
قالوا: ذكر هنا المغفرة، لأن العبد حين يضع شيئاً من هذا الخير قد يُداخله شيء من الغرور أو الإعجاب أو غيره مما يشوب العمل الصالح، فيغفرها الله له، ليلقى جزاءه خالصاً...
وقوله {شَكُورٌ} صيغة مبالغة من شاكر، فكأن الله تعالى بعظمته يشكر عبده، بل ويبالغ في شكره؛ لأن العبد في ظاهر الأمر عاون ربه في أنْ يرزق مَنْ كان مطلوباً من الله أنْ يرزقه؛ لذلك يشكره الله ولا يبخسه حقه، مع أنه في واقع الأمر مُنَاول عن الله.
وأنت حين تقرؤها: {إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ} وتعلم أنه تعالى يشكرك لا تملك إلا أنْ تشكره سبحانه، وعندها يزيدك من النعمة، إذن: نحن أمام شكر دائم لا ينقطع، وعطاء لا ينفد.
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
هذه الجملة في الحقيقة تشير منتهى إخلاصهم، لأنّهم لا ينظرون إلاّ إلى الأجر الإلهي، أي شيء يريدونه من الله يطلبونه، ولا يقصدون به الرياء والتظاهر وتوقّع الثناء من هذا ومن ذاك، إذ أنّ أهمّ قضيّة في الأعمال الصالحة هي «النيّة الخالصة».
التعبير ب «أجور» في الحقيقة لطف من الله، فكأنّ العباد يطلبون من الله مقابل أعمالهم أجراً!! في حال أنّ كلّ ما يملكه العباد منه تعالى، حتّى القدرة على إنجاز الأعمال الصالحة أيضاً هو الذي أعطاهم إيّاها.