ولما بين نهاية ضعف آلهة المشركين ، ارتقى من هذا إلى ما هو أبلغ منه ، وأنها ليست بشيء ، بل هي مجرد أسماء سموها ، وظنون اعتقدوها ، وعند التحقيق ، يتبين للعاقل بطلانها وعدمها ، ولهذا قال : { إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ } أي : إنه تعالى يعلم -وهو عالم الغيب والشهادة- أنهم ما يدعون من دون اللّه شيئا موجودا ، ولا إلها له حقيقة ، كقوله تعالى : { إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ } وقوله : { وَمَا يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ شُرَكَاءَ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وإن هم إلا يخرصون }
{ وَهُوَ الْعَزِيزُ الحكيم } الذي له القوة جميعا ، التي قهر بها جميع المخلوقات ، { الْحَكِيمُ } الذي يضع الأشياء مواضعها ، الذي أحسن كل شيء خلقه ، وأتقن ما أمره .
ثم بين - سبحانه - أن علمه شامل لكل شئ ، وأنه سيجازى هؤلاء المشركين بما يستحقونه من عقاب فقال : { إِنَّ الله يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ وَهُوَ العزيز الحكيم } .
و " ما " موصولة ، وهى مفعول يعلم ، والعائد محذوف ، و " من شئ " بيان لما .
أى : إن الله - تعالى - يعلم علماً تاماً الذى يعبده هؤلاء المشركون من دونه ، سواء أكان ما يعبدونه من الجن أم من الإِنس أم من الجمادات أم من غير ذلك ، { وَهُوَ } - سبحانه - { العزيز } أى : الغالب على كل شئ { الحكيم } فى أقواله وأفعاله .
{ إن الله يعلم ما تدعون من دونه من شيء } على إضمار القول أي قل للكفرة إن الله يعلم ، وقرأ البصريان بالياء حملا على ما قبله و { ما } استفهامية منصوبة ب { تدعون } و{ يعلم } معلقة عنها و{ من } للتبيين أو نافية و { من } مزيدة و { شيء } مفعول { تدعون } أو مصدرية و { شيء } مصدر أو موصولة مفعول ليعلم ومفعول { تدعون } عائدها المحذوف ، والكلام على الأولين تجهيل لهم وتوكيد للمثل وعلى الأخيرين وعيد لهم . { وهو العزيز الحكيم } تعليل على المعنيين فإن من فرط الغباوة إشراك ما لا يعد شيئا بمن هذا شأنه ، وأن الجماد بالإضافة إلى القادر القاهر على كل شيء البالغ في العلم وإتقان الفعل الغاية كالمعدوم ، وأن من هذا وصفه قادر على مجازاتهم .
وقوله { إن الله يعلم ما تدعون من دونه من شيء } .
قرأ أبو عمرو وسلام «يعلم ما » بالإدغام ، وقرأ عامة القراء بالفلك ، وقرأ الجمهور «تدعون » بالتاء من فوق ، وقرأ أبو عمرو وعاصم بخلاف «يدعون » بالياء من تحت على الغيبة ، فأما موضع { ما } من الإعراب فقيل معناه أن الله يعلم الذين يدعون من دونه من جميع الأشياء أن حالهم هذه وأنهم لا قدرة لهم ، وقيل قوله { إن الله يعلم } إخبار تام ، وقوله { وهو العزيز الحكيم } متصل به ، واعترض بين الكلامين { ما تدعون من دونه من شيء } ، وذلك على هذا النحو من النظر يحتمل معنيين أحدهما أن تكون { ما } نافية أي لستم تدعون شيئاً له بال ولا قدر ولا خلاق فيصلح أن يسمى شيئاً وفي هذا تعليق { يعلم } وفيه نظر ، الثاني أن تكون { ما } استفهاماً كأنه قرر على جهة التوبيخ على هذا المعبود من جميع الأشياء ما هو إذا لم يكن الله تعالى أي ليس لهم على هذا التقرير جواب مقنع البتة ، ف { من } على القول الأول والثالث للتبعيض المجرد ، وعلى القول الوسط هي زائدة في الجحد ومعناها التأكيد ، وقال أبو علي { ما } استفهام نصب ب { تدعون } ولا يجوز نصبها ب { يعلم } ، والتقدير أن الله يعلم أوثاناً تدعون من دونه أو غيره لا يخفى ذلك عليه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.