البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{إِنَّ ٱللَّهَ يَعۡلَمُ مَا يَدۡعُونَ مِن دُونِهِۦ مِن شَيۡءٖۚ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ} (42)

وقرأ أبو عمرو ، وسلام : يعلم ما ، بالإدغام ؛ والجمهور : بالفك ؛ والجمهور : تدعون ، بتاء الخطاب ؛ وأبو عمرو ، وعاصم : بخلاف ، بياء الغيبة ؛ وجوزوا في ما أن يكون مفعولاً بيدعون ، أي يعلم الذين يدعون من دونه من جميع الأشياء ، أي يعلم حالهم ، وأنهم لا قدرة لهم .

وأن تكون نافية ، أي لستم تدعون من دونه شيئاً له بال ولا قدر ، فيصلح أن يسمى شيئاً ، وأن يكون استفهاماً ، كأنه قدر على جهة التوبيخ على هذا المعبود من جميع الأشياء ، وهي في هذين الوجهين مقتطعة من يعلم ، واعتراض بين يعلم وبين قوله : { وهو العزيز الحكيم } .

وجوز أبو علي أن يكون ما استفهاماً منصوباً بيدعون ، ويعلم معلقة ؛ فالجملة في موضع نصب بها ، والمعنى : أن الله يعلم أوثاناً تدعون من دونه ، أم غيرها لا يخفى عليه ذلك .

والجملة تأكيد للمثل ، وإذا كانت ما نافية ، كان في الجملة زيادة على المثل ، حيث لم يجعل تعالى ما يدعونه شيئاً .

{ وهو العزيز الحكيم } : فيه تجهيل لهم ، حيث عبدوا ما ليس بشيء ، لأنه جماد ليس معه مصحح العلم والقدرة أصلاً ، وتركوا عبادة القادر القاهر الحكيم الذي لا يفعل شيئاً إلا لحكمة .