اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{إِنَّ ٱللَّهَ يَعۡلَمُ مَا يَدۡعُونَ مِن دُونِهِۦ مِن شَيۡءٖۚ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ} (42)

قوله : { إِنَّ الله يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ } ، قرأ أبو عمرو وعاصم «يَدْعُون »{[41505]} بياء الغيبة ، والباقون بالخطاب . و «ما » يجوز أن تكون موصولة منصوبة{[41506]} ب «يَعْلَمُ » أي يعلم الذين يدعونهم{[41507]} ويعلم أحوالهم ، و «من شيء » مصدر ، وأن تكون استفهامية{[41508]} ، وحينئذ يجوز فيها وجهان أن تكون هي وما عملت فيها معترضاً بين قوله : «يَعْلَمُ » وبين قوله : { وَهُوَ العزيز الحكيم } كأنه قيل : أَيُّ شيءٍ تدعون من دون الله{[41509]} .

والثاني : أن تكون متعلقة «لِيَعْلَمَ » فتكون في موضع نصب بها ، وإليه ذهب الفارسي{[41510]} وأن تكون نافية و «مِنْ » في «مِنْ شَيْءٍ » مزيدة في المفعول به كأنه قيل : ما تدعون من{[41511]} دون الله ما يستحق أن يطلق عليه شيء .

قال الزمخشري : هذا زيادة توكيد على التمثيل حيث إنهم لا يدعون من دونه{[41512]} من شيء يعني ما يدعون ليس بشيء ، وهو عزيز حكيم ، فكيف يجوز للعاقل أن يترك القادر الحكيم ويشتغل بعبادة ما ليس بشيء أصلاً وهذا يفهم منه أنه{[41513]} جعل «ما » نافية ، والوجه فيه حينئذ أن تكون الجملة معترضة كالأول من وجهي الاستفهامية ، وأن تكون مصدرية ، قال أبو البقاء{[41514]} : و «شيء » مصدر ، وفي هذا نظر ، إذ يصير التقدير يعلم دعاءكم في شيء من الدعاء .


[41505]:الإتحاف 346 والسبعة 501 وهو المفضل قال في الكشاف: لأن في الكلام معنى التهديد والوعيد والتوبيخ لهم، فإذا جرى الكلام على لفظ الخطاب كان أبلغ في الوعظ والزجر لهم، وهو الاختيار لأن الأكثر عليه، انظر: الكشاف 2/179.
[41506]:نقله في البيان 2/245.
[41507]:في (ب) يدعونه وهو خطأ.
[41508]:البيان 2/245 والدر 4/306.
[41509]:المرجعان السابقان.
[41510]:الفارسي: الحسن بن أحمد بن عبد الغفار أبو علي أخذ عن أبي بكر بن السراج وأبي إسحاق الزجاج كان من أكابر أئمة النحويين، مات سنة 377 هـ، انظر: نزهة الألباء 209 و 210.
[41511]:البحر المحيط 7/152، وقد قال الفارسي "ما استفهام موضعه نصب بتدعون، ولا يجوز أن تكون نصباً "بيعلم" ولكن صار الجملة التي هي فيها في موضع نصب بيعلم والتقدير: أن الله يعلم أوثاناً تدعون من دونه" الحجة 6/108 بلدية.
[41512]:انظر: الكشاف 3/206.
[41513]:في "ب" يجعل.
[41514]:أبو البقاء سبق التعريف به.