{ فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا } أي : الداعي الذي هو الشيطان ، والمدعو الذي هو الإنسان حين أطاعه { أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا } كما قال تعالى : { إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ } { وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ } الذين اشتركوا في الظلم والكفر ، وإن اختلفوا في شدة العذاب وقوته ، وهذا دأب الشيطان مع كل أوليائه ، فإنه يدعوهم ويدليهم إلى ما يضرهم بغرور ، حتى إذا وقعوا في الشباك ، وحاقت بهم أسباب الهلاك ، تبرأ منهم وتخلى عنهم . واللوم كل اللوم على من أطاعه ، فإن الله قد حذر منه وأنذر ، وأخبر بمقاصده وغايته ونهايته ، فالمقدم على طاعته ، عاص على بصيرة لا عذر له .
وقوله - سبحانه - : { فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَآ أَنَّهُمَا فِي النار خَالِدِينَ فِيهَا . . } من تمام المثل الذى ضربه الله - تعالى - للمنافقين واليهود . .
أى : فكان عاقبة ذلك الشيطان وذلك الإنسان ، أنهما فى النار ، حالة كونهما خالدين فيها خلودا أبديا ، وكذلك حال المنافقين واليهود . .
{ وَذَلِكَ } الخلود فى النار { جَزَآءُ الظالمين } الذين تجاوزوا حدود الله - تعالى - وحاربوا أولياءه - سبحانه - .
والمراد بالشيطان والإنسان جنسهما ، وقد ذكر بعضهم هنا قصصا تدل على أن المراد بالإنسان شخص معين ، وقد أضربنا عنها صفحا لضعفها . .
وبذلك ترى أن هذه الآيات الكريمة قد ذمت المنافقين واليهود ذما شنيعا ، وأضعفت من شأنهم ، وساقت لهم من الأمثلة ما يجعل المؤمنين يستخفون بهم ، ويجاهدونهم بغلظة وشدة .
ويضرب للمنافقين الذين أغروا إخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب بالمقاومة ، فانتهوا بهم إلى تلك النهاية البائسة . يضرب لهم مثلا بحال دائمة . حال الشيطان مع الإنسان ، الذي يستجيب لإغرائه فينتهي وإياه إلى شر مصير :
( كمثل الشيطان إذ قال للإنسان : اكفر . فلما كفر قال : إني بريء منك إني أخاف الله رب العالمين . فكان عاقبتهما أنهما في النار خالدين فيها ، وذلك جزاء الظالمين ) . .
وصورة الشيطان هنا ودوره مع من يستجيب له من بني الإنسان ، تتفقان مع طبيعته ومهمته . فأعجب العجب أن يستمع إليه الإنسان . وحاله هو هذا الحال !
وهي حقيقة دائمة ينتقل السياق القرآني إليها من تلك الواقعة العارضة . فيربط بين الحادث المفرد والحقيقة الكلية ، في مجال حي من الواقع ؛ ولا ينعزل بالحقائق المجردة في الذهن . فالحقائق المجردة الباردة لا تؤثر في المشاعر ، ولا تستجيش القلوب للاستجابة . وهذا فرق ما بين منهج القرآن في خطاب القلوب ، ومنهج الفلاسفة والدارسين والباحثين !
وبهذا المثل الموحي تنتهي قصة بني النضير . وقد ضمت في ثناياها وفي أعقابها هذا الحشد من الصور والحقائق والتوجيهات . واتصلت أحداثها المحلية الواقعة بالحقائق الكبرى المجردة الدائمة . وكانت رحلة في عالم الواقع وفي عالم الضمير ، تمتد إلى أبعد من حدود الحادث ذاته ، وتفترق روايتها في كتاب الله عن روايتها في كتب البشر بمقدار ما بين صنع الله وصنع البشر من فوارق لا تقاس ! !
وقوله تعالى : { فكان عاقبتهما } الآية ، يحتمل الضمير أن يعود على المخصوصين المذكورين ، ويحتمل أن يعود على اسمي الجنس أي هذا هو عاقبة كل شيطان وإنسان يكون أمرهما هكذا ، وقرأ الحسن وعمرو بن عبيد : «عاقبتُهما » بالرفع ، وقرأ جمهور الناس : «عاقبتَهما » بالنصب وموضع أن يخالف إعراب المعاقبة في القراءتين إن شاء الله تعالى ، وقرأ الأعمش وابن مسعود : «خالدان » بالرفع على أنه خبر «أن » ، والظرف ملغى ، ويلحق هذه الآية من الاعتراض إلغاء الظرف مرتين قاله الفراء ، وذلك جائز عند سيبويه على التأكيد .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.