{ قُلْ } لهم : { لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا } لأن الأمر كله للّه . وكل شفيع فهو يخافه ، ولا يقدر أن يشفع عنده أحد إلا بإذنه ، فإذا أراد رحمة عبده ، أذن للشفيع الكريم عنده أن يشفع ، رحمة بالاثنين . ثم قرر أن الشفاعة كلها له بقوله { لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ } أي : جميع ما فيهما من الذوات والأفعال والصفات . فالواجب أن تطلب الشفاعة ممن يملكها ، وتخلص له العبادة . { ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } فيجازي المخلص له بالثواب الجزيل ، ومن أشرك به بالعذاب الوبيل .
ثم أمر - سبحانه - رسوله صلى الله عليه وسلم أن يبين لهم أن الله - تعالى - هو مالك الشفاعة كلها ، وأنه لن يستطيع أحد أن يشفع إلا بإذنه ، فقال : { قُل لِلَّهِ الشفاعة جَمِيعاً .
أى : قل لهم : الله - تعالى - هو المالك للشفاعة كلها ، وآلهتكم هذه لا تملك شيئا من ذلك ، بل أنتم وآلهتكم - أيها المشركون - ستكونون وقودا لنار جهنم .
وهو سبحانه - : { لَّهُ مُلْكُ السماوات والأرض } ملكا تاما لا تصرف لأحد فى شئ منهما معه ، ولا شفاعة لأحد إلا بإذنه .
{ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } يوم القيامة فيحاسبكم على أعمالكم ، ويجازى الذين أساءوا بما عملوا ويجازى الذين أحسنوا بالحسنى .
ثم قال : قل : أي يا محمد لهؤلاء الزاعمين أن ما اتخذوه{[25151]} شفعاء لهم عند الله ، أخبرهم أن الشفاعة لا تنفع عند الله إلا لمن ارتضاه وأذن له ، فمرجعها كلها إليه ، { مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلا بِإِذْنِهِ } [ البقرة : 255 ] .
{ لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ } أي : هو المتصرف في جميع ذلك . { ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } أي : يوم القيامة ، فيحكم بينكم بعدله ، ويجزي كلا بعمله .
ولما نفى أن يكون لأصنامهم شيء من الشفاعة في عموم نفي مِلْك شيء من الموجودات عَن الأصنام ، قوبل بقوله : { لله الشفاعة } أي الشفاعة كلها لله . وأمر الرسول صلى الله عليه وسلم بأن يقول ذلك لهم ليعلموا أن لا يملك الشفاعة إلا الله ، أي هو مالك إجابة شفاعة الشفعاء الحقِّ . وتقديم الخبر المجرور وهو { لله } على المبتدأ لإِفادة الحصر . واللام للملك ، أي قَصر ملك الشفاعة على الله تعالى لا يملك أحد الشفاعة عنده .
و { جميعاً } حال من الشفاعة مفيدة للاستغراق ، أي لا يشذ جزئي من جزئيات حقيقة الشفاعة عن كونه مِلكاً لله وقد تأكد بلازم هذه لحال ما دل عليه الحصر من انتفاء أن يكون شيء من الشفاعة لغير الله .
وجملة { له ملك السموات والأرض } لتعميم انفراد الله بالتصرف في السماوات والأرض الشامل للتصرف في مؤاخذة المخلوقات وتسيير أمورهم فموقعها موقع التذييل المفيد لتقرير الجملة التي قبله وزيادة . والمراد المُلك بالتصرف بالخلق وتصريف أحوال العالميْن ومن فيهما ، فإذا كان ذلك المُلك له فلا يستطيع أحد صرفه عن أمر أراد وقوعه إلى ضد ذلك الأمر في مدة وجود السماوات والأرض ، وهذا إبطال لأن تكون لآلهتهم شفاعة لهم في أحوالهم في الدنيا . وعطف عليه { ثم إليه ترجعون } للإِشارة إلى إثبات البعث وإلى أنه لا يشفع أحد عند الله بعد الحشر إلا من أَذِنه الله بذلك .
و { ثم } للترتيب الرتبي كشأنها في عطف الجمل ، ذلك لأن مضمون { إليه ترجعون } أن لله ملكَ الآخرة كما كان له ملك الدنيا وملك الآخرة أعظم لسعة مملوكاته وبقائها . وتقديم { إليه } على { تُرجَعُون } للاهتمام والتقوِّي وللرعاية على الفاصلة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.