ثم نوه - سبحانه - بما يحيط بذلك المكان من جلال وجمال لا تحيط العبارة بوصفه فقال : { إِذْ يغشى السدرة مَا يغشى } .
والظرف " إذ " . فى موضع الحال من " سدرة المنتهى " ، لقصد الإشادة بما أحاط بذلك المكان من شرف وبهاء .
. . أو هو متعلق بقوله : { رَآهُ } .
أى : ولقد رأى محمد - صلى الله عليه وسلم - جبريل - عليه السلام - على هيئته التى خلقه الله عليها مرة أخرى ، عند ذلك المكان الجليل المسمى بسدرة المنتهى ، حالة كون هذا المكان ينزل به ما ينزل ، ويغشاه ما يغشاه من الفيوضات الربانية ، والأنوار القدسية ، والخيرات التى لا يحيط بها الوصف . . .
فهذا الإبهام فى قوله { مَا يغشى } المقصود به التهويل والتعظيم والتكثير ، لما يغشى هذا المكان من خيرات وبركات . .
وقوله تعالى : { إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى } : قد تقدم في أحاديث الإسراء أنه غشيتها الملائكة مثل الغِربان ، وغشيها نور الرب ، وغشيها ألوان ما أدري ما هي .
وقال الإمام أحمد : حدثنا مالك بن مِغْوَل ، حدثنا الزبير بن عدي ، عن{[27633]} طلحة ، عن مرة ، عن عبد الله - هو ابن مسعود - قال : لما أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم انتهي به إلى سدرة المنتهى ، وهي في السماء السابعة {[27634]} ، إليها ينتهي ما يعرج به من الأرض فيقبض منها ، وإليها ينتهي ما يهبط من فوقها فيقبض منها ، { إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى } قال : فراش من ذهب ، قال : وأعطي رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثا : أعطي الصلوات الخمس ، وأعطي خواتيم سورة البقرة ، وغُفر لمن لا يشرك بالله شيئًا من أمته المُقحمات . انفرد به مسلم {[27635]} .
وقال أبو جعفر الرازي ، عن الربيع ، عن أبي العالية ، عن أبي هريرة أو غيره - شك أبو جعفر - قال : لما أسري برسول الله انتهى إلى السدرة ، فقيل له : هذه السدرة [ قال ] : {[27636]} فغشيها نور الخلاق ، وغشيتها الملائكة مثل الغربان حين يقعن على الشجر ، قال : فكلمه عند ذلك ، فقال له : سل .
وقال {[27637]} ابن أبي نَجِيح ، عن مجاهد : { إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى } قال : كان أغصان السدرة لؤلؤا وياقوتا وزبرجدا ، فرآها محمد ، ورأى ربه بقلبه .
وقال ابن زيد : قيل : يا رسول الله ، أيّ شيء رأيت يغشى تلك السدرة ؟ قال : " رأيتُ يغشاها فَرَاشٌ من ذهب ، ورأيت على كل ورقة من ورقها مَلَكا قائما يسبح الله ، عز وجل " {[27638]} .
وقوله : { إذ يغشى السدرة ما يغشى } التعامل في : { إذ } ، { رآه } . المعنى : رآه في هذه الحال . و { ما يغشى } معناه من قدرة الله ، وأنواع الصفات التي يخترعها لها ، وذلك منهم على جهة التفخيم والتعظيم ، وقال مجاهد تبدل أغصانها دراً وياقوتاً ونحوه . وقال ابن مسعود ومسروق ومجاهد : ذلك جراد من ذهب كان يغشاها . وروى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «رأيتها ثم حال دونها فراش الذهب »{[10700]} . وقال الربيع وأبو هريرة : كان تغشاها الملائكة كما تغشى الطير الشجر ، وقيل غير هذا مما هو تكلف في الآية ، لأن الله تعالى أبهم ذلك وهم يريدون شرحه ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «فغشيها ألوان لا أدري ما هي ؟ »{[10701]}
وقوله : { إذ يغشى السدرة ما يغشى } ظرف مستقر في موضع الحال من { سدرة المنتهى } أريد به التنويه بما حفّ بهذا المكان المسمى سدرة المنتهى من الجلال والجمال . وفي حديث الإِسراء " حتى انتهَى بي إلى سدرة المنتهى وغشيها ألوان لا أدري ما هي » وفي رواية « غشيها نور من اللَّه ما يستطيع أحد أن ينظر إليها "
وما حصل فيه للنبي صلى الله عليه وسلم من التشريف بتلقّي الوحي مباشرة من الله دون واسطة الملَك ففي حديث الإِسراء « حتى ظَهرت بمستوىً أسمع فيه صريف الأقلام ففرض الله على أمتي خمسين صلاة » الحديث .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
وقوله:"إذْ يغْشَى السّدْرَةَ ما يَغْشَى "يقول تعالى ذكره: ولقد رآه نزلة أخرى، إذ يغشى السدرة ما يغشى، فإذ من صلة رآه. واختلف أهل التأويل في الذي يغشى السدرة؛
فقال بعضهم: غَشِيَها فَرَاش الذهب...
وقال آخرون:... عن الربيع "إذْ يَغْشَى السّدْرَةَ ما يَغْشَى" قال: غشيها نور الربّ، وغشيتها الملائكة من حُبّ الله...
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
وقال بعضهم في قوله تعالى: {إذ يغشى السّدرة ما يغشى} من أمر الله.
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
(إذ يغشى السدرة ما يغشى) معناه يغشى السدرة من النور والبهاء والحسن والصفاء الذي يروق الأبصار ما ليس لوصفه منتهى...
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
{مَا يغشى} تعظيم وتكثير لما يغشاها، فقد علم بهذه العبارة أن ما يغشاها من الخلائق الدالة على عظمة الله وجلاله: أشياء لا يكتنهها النعت ولا يحيط بها الوصف...
وقد قيل: يغشاها الجم الغفير من الملائكة يعبدون الله عندها.
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
وروى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «رأيتها ثم حال دونها فراش الذهب». وقال الربيع وأبو هريرة: كان تغشاها الملائكة كما تغشى الطير الشجر، وقيل غير هذا مما هو تكلف في الآية، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فغشيها ألوان لا أدري ما هي؟»
ما الذي غشى السدرة؟ نقول فيه وجوه:
(الأول) فراش أو جراد من ذهب وهو ضعيف، لأن ذلك لا يثبت إلا بدليل سمعي، فإن صح فيه خبر فلا يبعد من جواز التأويل، وإن لم يصح فلا وجه له.
(الثاني) الذي يغشى السدرة ملائكة يغشونها كأنهم طيور، وهو قريب، لأن المكان مكان لا يتعداه الملك، فهم يرتقون إليه متشرفين به متبركين زائرين، كما يزور الناس الكعبة فيجتمعون عليها.
(الثالث) أنوار الله تعالى، وهو ظاهر، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما وصل إليها تجلى ربه لها، كما تجلى للجبل، وظهرت الأنوار، لكن السدرة كانت أقوى من الجبل وأثبت، فجعل الجبل دكا، ولم تتحرك الشجرة، وخر موسى صعقا، ولم يتزلزل محمد.
(الرابع) هو مبهم للتعظيم، يقول القائل: رأيت ما رأيت عند الملك، يشير إلى الإظهار من وجه، وإلى الإخفاء من وجه.
{يغشى} يستر، ومنه الغواشي أو من معنى الإتيان، يقال فلا يغشاني كل وقت، أي يأتيني، والوجهان محتملان...
إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود 982 هـ :
وصيغةُ المضارعِ لحكايةِ الحالِ الماضيةِ استحضاراً لصورتِها البديعةِ وللإيذانِ باستمرار الغشيانِ بطريقِ التجددِ.
تفسير القرآن للمراغي 1371 هـ :
وقد أبهم ذلك الكتاب الكريم، فعلينا أن نكتفي بهذا الإبهام ولا نزيده إيضاحا بلا دليل قاطع، ولا حجة بينة، ولو علم الله الخير لنا في البيان لفعل.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
وقوله: {إذ يغشى السدرة ما يغشى} ظرف مستقر في موضع الحال من {سدرة المنتهى} أريد به التنويه بما حفّ بهذا المكان المسمى سدرة المنتهى من الجلال والجمال. وفي حديث الإِسراء "حتى انتهَى بي إلى سدرة المنتهى وغشيها ألوان لا أدري ما هي» وفي رواية « غشيها نور من اللَّه ما يستطيع أحد أن ينظر إليها "
وما حصل فيه للنبي صلى الله عليه وسلم من التشريف بتلقّي الوحي مباشرة من الله دون واسطة الملَك ففي حديث الإِسراء « حتى ظَهرت بمستوىً أسمع فيه صريف الأقلام ففرض الله على أمتي خمسين صلاة» الحديث.