{ إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ كَأَنَّهُ جِمَالَةٌ صُفْرٌ } وهي السود التي تضرب إلى لون فيه صفرة ، وهذا يدل على أن النار مظلمة ، لهبها وجمرها وشررها ، وأنها سوداء ، كريهة المرأى{[1327]} ، شديدة الحرارة ، نسأل الله العافية منها [ من الأعمال المقربة منها ] .
انطلقوا . وإنكم لتعرفون إلى أين ! وتعرفونها هذه التي تنطلقون إليها . فلا حاجة إلى ذكر اسمها . . ( إنهاترمي بشرر كالقصر . كأنه جمالة صفر ) . . فالشرر يتتابع في حجم البيت من الحجر . [ وقد كان العرب يطلقون كلمة القصر على كل بيت من حجر وليس من الضروري أن يكون في ضخامة ما نعهد الآن من قصور ] فإذا تتابع بدا كأنه جمال صفر ترتع هنا وهناك ! هذا هو الشرر فكيف بالنار التي ينطلق منها الشرر ? !
والضمير في { إنها } لجهنم وقرأ عيسى بن عمر «بشرار » بألف جمع شرارة وهي لغة تميم ، و «القصر » في قول ابن عباس وجماعة من المفسرين اسم نوع القصور وهو إلا دوراً لكبار مشيدة ، وقد شبهت العرب بها النوق ومن المعنى قول الأخطل : [ البسيط ]
كأنها برج رومي يشيده*** لز بجص وآجر وجيار{[11551]}
وقال ابن عباس أيضاً : «القصر » : خشب كان في الجاهلية يقطع من جزل الحطب من النخل وغيره على قدر الذراع وفوقه ودونه يستعد به للشتاء يسمى «القَصَر » واحده قصرة{[11552]} وهو المراد في الآية ، وإنما سمي القَصَّار لأنه يخبط بالقصرة ، وقال مجاهد : «القصر » حزم الحطب . وهذه قراءة الجمهور ، وقرأ ابن عباس القَصَّار لأنه يخبط بالقصرة ، وقال مجاهد : «القصر » حزم الحطب . وهذه قراءة الجمهور ، وقرأ ابن عباس وابن جبير «القَصَر » جمع قصرة وهي أعناق النخل والإبل وكذلك أيضاً هي في الناس{[11553]} ، وقال ابن عباس جذور النخل ، وقرأ ابن جبير أيضاً والحسن : «كالقِصَر » بسكر القاف وفتح الصاد ، وهي جمع قصرة كحلقة وحلق من الحديد .
يجوز أن يكون هذا من تمام ما يقال للمكذبين الذين قيل لهم : { انطلقوا إلى ما كنتم به تكذبون } [ المرسلات : 29 ] ، فإنهم بعد أن حصل لهم اليأس مما ينفِّس عنهم ما يَلقون من العذاب ، وقيل لهم : انطلقوا إلى دخان جهنم ربما شاهدوا ساعتئذٍ جهنم تقذف بشررها فيروعهم المنظر ، أو يشاهدونها عن بعد لا تتضح منه الأشياء وتظهر عليهم مخائل توقعهم أنهم بالغون إليه فيزدادون روعاً وتهويلاً ، فيقال لهم : إن جهنم { ترمي بشرر كالقصر كأنه جِمَالات صفر } .
ويجوز أن يكون اعتراضاً في أثناء حكاية حالهم ، أو في ختام حكاية حالهم .
فضمير { إنها } عائد إلى جهنم التي دل عليها قوله : { ما كنتم به تكذبون كما يقال للذي يساق إلى القتل وقد رأى رجلاً بيده سيف فاضطَرب لرؤيته فيقال له : إنه الجَلاّد .
وإجراء تلك الأوصاف في الإِخبار عنها لزيادة الترويع والتهويل ، فإن كانوا يرون ذلك الشرر لقربهم منه فوصفه لهم لتأكيد الترويع والتهويل بتظاهر السمع مع الرؤية . وإن كانوا على بعد منه فالوصف للكشف عن حاله الفظيعة .
وتأكيد الخبر ب ( إنَّ ) للاهتمام به لأنهم حِينئذٍ لا يشكون في ذلك سواء رأوه أو أخبروا به .
والشرر : اسم جمع شَرَرَة : وهي القطعة المشتعلة من دقيق الحطب يدفعها لهب النار في الهواء من شدة التهاب النار .
والقَصر : البناء العالي . والتعريف فيه للجنس ، أي كالقصور لأنه شبه به جمع ، وهذا التعريف مثل تعريف الكتاب في قوله تعالى : { وأنزلنا معهم الكتاب } [ الحديد : 25 ] ، أي الكُتب . وعن ابن عباس : الكِتاب أكثرُ من الكُتُب ، أي كل شررة كقصر ، وهذا تشبيه في عظم حجمه .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
ذكر الظل فقال: {إنها ترمي بشرر كالقصر} وهو أصول الشجر يكون في البرية، فإذا جاء الشتاء قطعت أغصانها فتبقى أصولها، فيحرقها البرد فتسود فتراها في البرية كأمثال الجمال إذا أنيخ في البرية، فذلك قوله: {إنها ترمي بشرر كالقصر}
قال مالك عن زيد بن أسلم: يعني أصول الشجر.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
إن جهنم ترمي بشرر كالقصر، فقرأ ذلك قرّاء الأمصار:"كالْقَصْرِ "بجزم الصاد. واختلف الذين قرأوا ذلك كذلك في معناه، فقال بعضهم: هو واحد القصور.
وقال آخرون: بل هو الغليظ من الخشب، كأصول النخل وما أشبه ذلك...
وأولى التأويلات به أنه القصر من القصور، وذلك لدلالة قوله: كأنهُ جِمالاتٌ صُفْرٌ على صحته، والعرب تشبه الإبل بالقصور المبنية...
وقيل: كالقصر، ومعنى الكلام: كعظم القصر...
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
فيه إخبار عن عظم شررها وقدرها خلافا لما عليه الشرر في الدنيا، لا يأخذ مكانا بل يتبين ثم ينطفئ، ثم جائز أن يكون بعض شررها في العظم كالخيام وبعضها كالقصور وبعضها كأصول الأشجار.
{إنها ترمي بشرر} قال الواحدي: يقال شررة وشرر وشرارة وشرار، وهو ما تطاير من النار متبددا في كل جهة، وأصله من شررت الثوب إذا أظهرته وبسطته للشمس، والشرار ينبسط متبددا.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
لما بين أن هذا الظل زيادة في العذاب، وكان من المعلوم أنه لا يكون دخان إلا من نار، قال مبيناً أنه لو كان هناك ظل ما أغنى: {إنها} أي النار التي دل عليها السياق {ترمي} أي من شدة الاستعار.
{بشرر} وهو ما تطاير من النار إذا التهبت، واحدتها شرارة وهي صواعق تلك الدار.
{كالقصر} أي كل شرارة منها كأنها قصر مشيد من عظمها.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
انطلقوا، وإنكم لتعرفون إلى أين! وتعرفونها هذه التي تنطلقون إليها. فلا حاجة إلى ذكر اسمها.. هذا هو الشرر فكيف بالنار التي ينطلق منها الشرر؟!
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
يجوز أن يكون هذا من تمام ما يقال للمكذبين الذين قيل لهم: {انطلقوا إلى ما كنتم به تكذبون} [المرسلات: 29]، فإنهم بعد أن حصل لهم اليأس مما ينفِّس عنهم ما يَلقون من العذاب، وقيل لهم: انطلقوا إلى دخان جهنم ربما شاهدوا ساعتئذٍ جهنم تقذف بشررها فيروعهم المنظر، أو يشاهدونها عن بعد لا تتضح منه الأشياء وتظهر عليهم مخائل توقعهم أنهم بالغون إليه فيزدادون روعاً وتهويلاً، فيقال لهم: إن جهنم {ترمي بشرر كالقصر كأنه جِمَالات صفر}.
ويجوز أن يكون اعتراضاً في أثناء حكاية حالهم، أو في ختام حكاية حالهم.
فضمير {إنها} عائد إلى جهنم التي دل عليها قوله: {ما كنتم به تكذبون}
وإجراء تلك الأوصاف في الإِخبار عنها لزيادة الترويع والتهويل، فإن كانوا يرون ذلك الشرر لقربهم منه فوصفه لهم لتأكيد الترويع والتهويل بتظاهر السمع مع الرؤية. وإن كانوا على بعد منه فالوصف للكشف عن حاله الفظيعة.
وتأكيد الخبر ب (إنَّ) للاهتمام به لأنهم حِينئذٍ لا يشكون في ذلك سواء رأوه أو أخبروا به.
والشرر: اسم جمع شَرَرَة: وهي القطعة المشتعلة من دقيق الحطب يدفعها لهب النار في الهواء من شدة التهاب النار.
والقَصر: البناء العالي. والتعريف فيه للجنس، أي كالقصور لأنه شبه به جمع، وهذا التعريف مثل تعريف الكتاب في قوله تعالى: {وأنزلنا معهم الكتاب} [الحديد: 25]، أي الكُتب.
وعن ابن عباس: الكِتاب أكثرُ من الكُتُب، أي كل شررة كقصر، وهذا تشبيه في عظم حجمه.