جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري  
{إِنَّهَا تَرۡمِي بِشَرَرٖ كَٱلۡقَصۡرِ} (32)

وقوله : إنّها تَرْمِي بِشَرَرٍ كالقَصْرِ يقول تعالى ذكره : إن جهنم ترمي بشرر كالقصر ، فقرأ ذلك قرّاء الأمصار : كالْقَصْرِ بجزم الصاد .

واختلف الذين قرأوا ذلك كذلك في معناه ، فقال بعضهم : هو واحد القصور . ذكر من قال ذلك :

حدثني عليّ ، قال حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : إنّها تَرْمي بِشَرَرٍ كالْقَصْرِ يقول : كالقصر العظيم .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن خصيف ، عن مجاهد إنّها تَرْمي بِشَرَرٍ كالْقَصْرِ قال : ذكر القصر .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني يزيد بن يونس ، عن أبي صخر في قول الله : إنّها تَرْمي بِشَرَرٍ كالْقَصْرِ قال : كان القرظي يقول : إن على جهنم سورا ، فما خرج من وراء السور مما يرجع فيها في عظم القصر ، ولون القار .

وقال آخرون : بل هو الغليظ من الخشب ، كأصول النخل وما أشبه ذلك . ذكر من قال ذلك :

حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن عبد الرحمن بن عابس ، قال : سألت ابن عباس عن قوله : إنّها تَرْمي بِشَرَرٍ كالْقَصْرِ قال : القصر : خشب كنا ندّخره للشتاء ثلاث أذرع ، وفوق ذلك ، ودون ذلك كنا نسميه القصر .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا مؤمل ، قال : حدثنا سفيان ، قال : سمعت عبد الرحمن بن عابس ، قال : سمعت ابن عباس يقول في قوله : إنّها تَرْمي بِشَرَرٍ كالْقَصْرِ قال : القصر : خشب كان يُقْطع في الجاهلية ذراعا وأقلّ أو أكثر ، يُعْمَد به .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن عبد الرحمن بن عابس ، قال : سمعت ابن عباس يقول في قوله : إنّها تَرْمي بِشَرَرٍ كالْقَصْرِ قال : كنا في الجاهلية نقصر ذراعين أو ثلاث أذرع ، وفوق ذلك ودون ذلك نسميه القصر .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله إنّها تَرْمي بشَرَرٍ كالْقَصْرِ فالقصر : الشجر المقطع ، ويقال : القصر : النخل المقطوع .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى : وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : كالْقَصْرِ قال : حزم الشجر ، يعني الحزمة .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا ابن أبي عديّ ، عن شعبة ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جُبير ، عن ابن عباس في هذه الاَية إنّها تَرْمي بِشَرَرٍ كالْقَصْرِ قال : مثل قَصْر النخلة .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : إنّها تَرْمي بِشَرَرٍ كالْقَصْرِ أصول الشجر ، وأصول النخل .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة بِشَرَرٍ كالْقَصْرِ قال : كأصل الشجر .

حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : حدثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : بِشَرَرٍ كالْقَصْرِ القصر : أصول الشجر العظام ، كأنها أجواز الإبل الصفر وسط كل شيء جوزُه ، وهي الأجواز .

حدثنا أحمد بن يوسف ، قال : حدثنا القاسم ، قال : حدثنا حجاج ، عن هارون ، قال : قرأها الحسن : كالْقَصْرِ وقال : هو الجزل من الخشب قال : واحدته : قصرة وقصر ، مثله : جمرة وجمر ، وتمرة وتمر .

وذُكر عن ابن عباس أنه قرأ ذلك : «كالْقَصَرِ » بتحريك الصاد .

حدثني أحمد بن يوسف ، قال : حدثنا القاسم ، قال : حدثنا حجاج ، عن هارون ، قال : أخبرني حسين المعلم ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جُبير ، عن ابن عباس أنه قرأها : «كالقَصَرِ » بفتح القاف والصاد .

قال : وقال هارون : أخبرني أبو عمرو أن ابن عباس قرأها : «كالْقَصَرِ » وقال : قصر النخل ، يعني الأعناق .

وأولى القراءتين بالصواب في ذلك عندنا ما عليه قرّاء الأمصار ، وهو سكون الصاد ، وأولى التأويلات به أنه القصر من القصور ، وذلك لدلالة قوله : كأنهُ جِمالاتٌ صُفْرٌ على صحته ، والعرب تشبه الإبل بالقصور المبنية ، كما قال الأخطل في صفة ناقة :

كأنها بُرْجُ رُوميَ يُشَيّدُه *** لُزّ بِجصّ وآجُرَ وأحْجارِ

وقيل : بِشَرَرٍ كالقَصْرِ ولم يقل كالقصور ، والشررِ : جماع ، كما قيل : سَيُهْزَمُ الجَمْعُ وَيُوَلّونَ الدّبُرَ ولم يقل الأدبار ، لأن الدبر بمعنى الأدبار ، وفعل ذلك توفيقا بين رؤوس الاَيات ومقاطع الكلام ، لأن العرب تفعل ذلك كذلك ، وبلسانها نزل القرآن . وقيل : كالقصر ، ومعنى الكلام : كعظم القصر ، كما قيل : تَدوُر أعُيُنهم كالذي يُغْشَى عليه مِنَ الموتِ ولم يقل : كعيون الذي يغشى عليه ، لأن المراد في التشبيه الفعل لا العين .

حدثنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن عطاء بن السائب ، أنه سأل الأسود عن هذه الاَية : تَرْمي بِشَرَرٍ كالْقَصْرِ فقال : مثل القصر .