{ 77 - 82 } { أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا * أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا * كَلَّا سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا * وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْدًا * وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا * كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا }
أي : أفلا تتعجب من حالة هذا الكافر ، الذي جمع بين كفره بآيات الله ودعواه الكبيرة ، أنه سيؤتى في الآخرة مالا وولدا ، أي : يكون من أهل الجنة ، هذا من أعجب الأمور ، فلو كان مؤمنا بالله وادعى هذه الدعوى ، لسهل الأمر .
وهذه الآية -وإن كانت نازلة في كافر معين- فإنها تشمل كل كافر ، زعم أنه على الحق ، وأنه من أهل الجنة .
ثم ساقت السورة الكريمة بعد ذلك لونا آخر من ألوان تبجحهم ، وأقوالهم الباطلة ، وردت عليها بأسلوب منطقي حكيم فقال - تعالى - : { أَفَرَأَيْتَ الذي . . . } .
ذكر المفسرون فى سبب نزول هذه الآيات روايات منها ما أخرجه البخارى ومسلم عن خباب بن الأرب قال : جئت العاص بن وائل السهمى أتقاضاه حقا لى عنده ، فقال لى : لا أعطيك حتى تكفر بمحمد - صلى الله عليه وسلم - فقلت له : لا ، والله لا أكفر بمحمد - صلى الله عليه وسلم - حيا ولا ميتاولا إذا بعثت ، فقال العاص : فإذا بعثت جئتنى ولى هناك مال وولد فأعطيك حقك ، فأنزل الله - تعالى - هذه الآيات .
وفى رواية أن رجالا من أصحاب النبى - صلى الله عليه وسلم - أتوا العاص يتقاضون دينا لهم عليه فقال : ألستم تزعمون أن فى الجنة ذهبا وفضة وحريرا ومن كل الثمرات ؟ قالوا : بلى . قال : " موعدكم الآخرة والله لأوتين مالا وولدا " .
والاستفهام فى قوله - سبحانه - { أَفَرَأَيْتَ . . } للتعجيب من شأن هذا الكافر الجهول والفاء للعطف على مقدر يستدعيه المقام ، والتقدير : أنظرت أيها العاقل فرأيت هذا الجاحد الجهول الذى كفر بآياتنا الدالة على وحدانيتنا ، وعلى أن البعث حق ، وعلى أن ما جاء به رسولنا - صلى الله عليه وسلم - حق وصدق . . . .
ولم يكتف بهذا الكفر ، بل قال بكل تبجح ، وإصرار على الباطل ، واستهزاء بالدين الحق : والله { لأُوتَيَنَّ } فى الآخرة { مَالاً وَوَلَداً } كما هو حالى فى الدنيا .
فأنت ترى أن هذالكفار لم يكتف بكفره ، بل أضاف إليه القول الباطل المصحوب بالقسم الكاذب ، وبالتهكم بالدين الحق .
وقرأ حمزة والكسائى : { لأُوتَيَنَّ مَالاً وَوُلْداً } - بضم الواو الثانية وسكون اللام - ، وقرأ الباقون بفتحهما . قالوا : والقراءتان بمعنى واحد كالعرب والعرُب . ويرى بعضهم الولد بالفتح للمفرد ، والولد - بضم الواو وسكون اللام - للجمع .
ثم يستعرض السياق نموذجا آخر من تبجح الكافرين ، وقولة أخرى من أقوالهم يستنكرها ويعجب منها :
أفرأيت الذي كفر بآياتنا وقال : لأوتين مالا وولدا ? أطلع الغيب أم اتخذ عند الرحمن عهدا ? كلا سنكتب ما يقول ونمد له من العذاب مدا . ونرثه ما يقول وأتينا فردا . .
ورد في سبب نزول هذه الآيات - بإسناده - عن خباب بن الأرث قال : كنت رجلا قينا [ حدادا ] وكان لي على العاص بن وائل دين فأتيته أتقاضاه منه فقال : لا والله لا أقضيك حتى تكفر بمحمد ، فقلت : لا والله ، لا أكفر بمحمد [ ص ] حتى تموت ثم تبعث . قال : فإني إذا مت ثم بعثت جئتني ولي ثم مال وولد ، فأعطيتك ! فأنزل الله : أفرأيت الذي كفر بآياتنا وقال : لأوتين مالا وولدا . . . .
القول في تأويل قوله تعالى { أَفَرَأَيْتَ الّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لاُوتَيَنّ مَالاً وَوَلَداً * أَطّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتّخَذَ عِندَ الرّحْمََنِ عَهْداً } .
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : أفَرأيْتَ يا محمد الّذِي كَفَرَ بآياتِنا حججنا فلم يصدّق بها ، وأنكر وعيدنا من أهل الكفر وَقالَ وهو بالله كافر وبرسوله لاَوتَينّ في الاَخرة مالاً وَوَلَدا . وذُكر أن هذه الاَيات أنزلت في العاص بن وائل السهمي أبي عمرو بن العاص . ذكر الرواية بذلك :
حدثنا أبو السائب وسعيد بن يحيى ، قالا : حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن مسلم ، عن مسروق ، عن خباب ، قال : كنت رجلاً قَيْنا ، وكان لي على العاص بن وائل دين ، فأتيته أتقاضاه ، فقال : والله لا أقضيك حتى تكفر بمحمد ، فقلت : والله لا أكفر بمحمد حتى تموت ثم تبعث ، قال : فقال : فإذا أنا متّ ثم بُعثت كما تقول ، جئتني ولي مال وولد ، قال : فأنزل الله تعالى : أفَرأيْتَ الّذِي كَفَرَ بآياتِنا وَقالَ لاَوتَينّ مالاً وَوَلَدا أطّلَعَ الغَيْبَ أمِ اتّخَذَ عِنْدَ الرّحْمنِ عَهْدا . . . إلى قوله : ويَأْتينا فَرْدا .
حدثني به أبو السائب ، وقرأ في الحديث : وولدا .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، أن رجالاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يطلبون العاصَ بن وائل السّهْمِيّ بدين ، فأتوه يتقاضونه ، فقال : ألستم تزعمون أن في الجنة فضة وذهبا وحريرا ، ومن كلّ الثمرات ؟ قالوا : بلى ، قال : فإن موعدكم الاَخرة ، فوالله لأوتينّ مالاً وولدا ، ولأوتينّ مثل كتابكم الذي جئتم به ، فضرب الله مثله في القرآن ، فقال : أفَرأيْتَ الّذِي كَفَرَ بآياتِنا وَقالَ لاَوتَينّ مالاً . . . إلى قوله ويَأْتِينا فَرْدا .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله : لاَوتَينّ مالاً وَوَلَدا قال : العاصُ بن وائل يقوله .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .
حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : أفَرأيْتَ الّذِي كَفَرَ بآياتِنا وَقالَ لاَوتَينّ مالاً وَوَلَدا فذُكر لنا أن رجالاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أتوا رجلاً من المشركين يتقاضونه دينا ، فقال : أليس يزعم صاحبكم أن في الجنة حريرا وذهبا ؟ قالوا : بلى ، قال فميعادكم الجنة ، فوالله لا أومن بكتابكم الذي جئتم به ، استهزاء بكتاب الله ، ولأُوتينّ مالاً وولدا . يقول الله : أطّلَعَ الغَيْبَ أمِ اتّخَذَ عِنْدَ الرّحْمَنِ عَهْدا ؟
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرّزاق ، قال : أخبرنا الثوريّ ، عن الأعمش ، عن أبي الضحى ، عن مسروق ، قال : قال خَبّاب بن الأَرَتّ : كنت قَيْنا بمكة ، فكنت أعمل للعاص بن وائل ، فاجتمعت لي عليه دراهم ، فجئت لأتقاضاه ، فقال لي : لا أقضيك حتى تكفر بمحمد ، قال : قلت : لا أكفر بمحمد حتى تموت ثم تبعث ، قال : فإذا بُعثت كان لي مال وولد ، قال : فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله تبارك وتعالى : أفَرأيْتَ الّذِي كَفَرَ بآياتِنا وَقالَ لاَوتَينّ مالاً وَوَلَدا . . . إلى وَيأْتِيَنا فَرْدا .
واختلفت القرّاء في قراءة قوله وَوَلدا فقرأته عامّة قرّاء المدينة والبصرة وبعض أهل الكوفة : وَوَلَدا بفتح الواو من الولد في كلّ القرآن ، غير أن أبا عمرو بن العلاء خَصّ التي في سورة نوح بالضمّ ، فقرأها : مالُهُ وَوُلْدُهُ . وأما عامّة قرّاء الكوفة غير عاصم ، فإنهم قرأوا من هذه السورة من قوله مالاً وَوَلَدا إلى آخر السورة ، واللتين في الزخرف ، والتي في نوح ، بالضمّ وسكون اللام .
وقد اختلف أهل العربية في معنى ذلك إذا ضمت واوه ، فقال بعضهم : ضمها وفتحها واحد ، وإنما هما لغتان ، مثل قولهم العُدْم والعَدَم ، والحُزْن والحَزَن . واستشهدوا لقيلهم ذلك بقول الشاعر :
فَلَيْتَ فُلانا كانَ في بَطْنِ أُمّهِ *** وَلَيْتَ فُلانا كانَ وُلْدَ حِمارِ
وَلَقَدْ رأيْتُ مَعاشِرا *** قَدْ ثَمّرُوا مالاً وَوُلْدَا
الْحَمْد لِلّهِ العَزِيزِ فَرْدَا *** لَمْ يَتّخِذْ مِنْ وُلْدِ شَيْءٍ وُلْدَا
وتقول العرب في مثلها : وُلْدُكِ مِن دَمّى عَقِبَيْكِ ، قال : وهذا كله واحد ، بمعنى الولد . وقد ذُكر لي أن قيسا تجعل الوُلْد جمعا ، والوَلد واحدا . ولعلّ الذين قرأوا ذلك بالضمّ فيما اختاروا فيه الضمّ ، إنما قرأوه كذلك ليفرقوا بين الجمع والواحد .
قال أبو جعفر : والذي هو أولى بالصواب من القول في ذلك عندي أن الفتح في الواو من الوَلد والضمّ فيها بمعنى واحد ، وهما لغتان ، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب الصواب ، غير أن الفتح أشهر اللغتين فيها . فالقراءة به أعجبُ إليّ لذلك .
{ أفرأيت الذي كفر بآياتنا وقال لأوتين مالا وولدا } نزلت في العاص بن وائل كان لخباب عليه مال فتقاضاه فقال له : لا حتى تكفر بمحمد فقال : لا والله لا أكفر بمحمد حيا ولا ميتا ولا حين تبعث ، قال فإذا بعثت جئتني فيكون لي ثم مال وولد فأعطيك . ولما كانت الرؤية أقوى سند الإخبار استعمل أرأيت بمعنى الإخبار ، والفاء أصلها في التعقيب والمعنى : أخبر بقصة هذا الكافر عقب حديث أولئك . وقرأ حمزة والكسائي " ولدا " وهو جمع ولد كأسد في أسد أو لغة فيه كالعرب والعرب .
وقوله { أفرأيت الذي كفر } الآية ، الفاء في قوله { أفرأيت } عاطفة بعد ألف الأستفهام وهي عاطفة جملة على جملة ، و { الذي كفر } يعني به العاصي بن وائل السهمي ، قاله جمهور المفسرين ، وكان خبره أن خباب بن الأرت كان قيناً{[8030]} في الجاهلية فعمل له عملاً واجتمع له عنده فجاءه يتقاضاه فقال له العاصي لا أنصفك حتى تكفر بمحمد ، فقال خباب : لا أكفر بمحمد حتى يمييتك الله ثم يبعثك ، قال العاصي : أو مبعوث أنا بعد الموت ؟ قال خباب نعم ، قال : فإنه إذا كان ذلك فسيكون لي مال وولد وعند ذلك أقضيك دينك ، فنزلت الآية في ذلك{[8031]} ، وقال الحسن نزلت الآية في الوليد بن المغيرة المخزومي وقد كانت للوليد أيضاً أقوال تشبه هذا الغرض ، وقرأ ابن كثير وابو عمرو «وولَداً » على معنى اسم الجنس بفتح الواو واللام وكذلك في سائر ما في القرآن إلا في سورة نوح{[8032]} { ماله وولده } [ نوح : 21 ] فإنما قرأ بضم الواو وسكون اللام ، وقرأ نافع وعاصم وابن عامر بفتح الواو في كل القرآن ، وقرأ حمزة والكسائي «ووُلْداً » بضم الواو وسكون اللام وكذلك في جميع القرآن ، وقرأ ابن مسعود «وِلْداً » بكسر الواو وسكون اللام ، واختلف مع ضم الواو فقال بعضهم : هو جمع «ولد كأسد وأسد » واحتجوا بقول الشاعر : [ مجزوء الكامل ]
فلقد رأيت معاشراً . . . قد ثمروا مالاً وولداً{[8033]}
وقال بعضهم هو بمعنى الولد واحتجوا بقول الشاعر : [ الطويل ]
فليت فلاناً كان في بطن أمه . . . وليت فلاناً كان ولد حمار{[8034]}
قال أبو علي في قراءة حمزة والكسائي ما كان منه مفرداً قصد به المفرد ، وما كان منه جمعاً قصد الجمع ، وقال الأخفش : الولد الابن والابنة ، والولد : الأهل والوالد ، وقال غيره : والولد بطن الذي هو منه ، حكاه أبو علي في الحجة .
تفريع على قوله { ويقول الإنسان أإذا ما متّ لسوفَ أخرج حياً } [ مريم : 66 ] وما اتصل به من الاعتراض والتفريعات . والمناسبة : أن قائل هذا الكلام كان في غرور مثل الغرور الذي كان فيه أصحابه . وهو غرور إحالة البعث .
والآية تشير إلى قصة خبّاب بن الأرتّ مع العاصي بن وائل السهمي . ففي « الصحيح » : أن خبّاباً كان يصنع السيوف في مكة ، فعمل للعاصي بن وائل سَيفاً وكان ثمنه دَيناً على العاصي ، وكان خبّاب قد أسلم ، فجاء خبّاب يتقاضى دَينه من العاصي فقال له العاصي بن وائل : لا أقضيكه حتى تكفر بمحمّد ، فقال خبّاب ( وقد غضب ) : لا أكفر بمحمد حتى يميتك الله ثمّ يبعثك . قال العاصي : أو مبعوثٌ أنا بعد الموت ؟ قال : نعم . قال ( العاصي متهكماً ) : إذا كان ذلك فسيكون لي مال وولد وعند ذلك أقضيك دَينَك » . فنزلت هذه الآية في ذلك . فالعاصي بن وائل هو المراد بالذي كفر بآياتنا .
والاستفهام في { أفرأيت } مستعمل في التعجيب من كفر هذا الكافر .
والرؤية مستعارة للعلم بقصته العجيبة . نُزلت القصة منزلة الشيء المشاهد بالبصر لأنه من أقوى طرق العلم . وعبر عنه بالموصول لما في الصلة من منشأ العجب ولا سيما قوله { لأُوتين مالاً وولداً } .
والمقصود من الاستفهام لفت الذهن إلى معرفة هذه القصة أو إلى تذكرها إن كان عالماً بها .
والخطاب لكل من يصلح للخطاب فلم يُرد به معيّن . ويجوز أن يكون خطاباً للنبيء صلى الله عليه وسلم
والآيات : القرآن ، أي كفر بما أنزل إليه من الآيات وكذب بها . ومن جملتها آيات البعث .
والوَلَد : اسم جَمْع لوَلَد المفرد ، وكذلك قرأه الجمهور ، وقرأ حمزة والكسائي في هذه السورة في الألفاظ الأربعة « ووُلْد » بضمّ الواو وسكون اللام فهو جمع ولد ، كأسد وأسد .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{أفرأيت الذي كفر بئاياتنا}، آيات القرآن، نزلت في العاص بن وائل بن هشام... السهمي، وذلك أن خباب ابن الأرت صاغ له شيئا من الحلي، فلما طلب منه الأجر، قال لخباب، وهو مسلم حين طلب أجر الصياغة: ألستم تزعمون أن في الجنة الحرير والذهب والفضة وولدان مخلدون، قال خباب بن الأرت: نعم، قال العاص: فميعاد ما بيننا الجنة، {وقال لأوتين} في الجنة، يعني: في الآخرة، {مالا وولدا}، أفضل مما أوتيت في الدنيا، فأقضيك في الآخرة، يقول ذلك مستهزئا؛ لأنه لا يؤمن بما في القرآن من الثواب والعقاب.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم:"أفَرأيْتَ" يا محمد "الّذِي كَفَرَ بآياتِنا "حججنا فلم يصدّق بها، وأنكر وعيدنا من أهل الكفر "وَقالَ" وهو بالله كافر وبرسوله "لأوتَينّ" في الآخرة "مالاً وَوَلَدا". وذُكر أن هذه الآيات أنزلت في العاص بن وائل السهمي أبي عمرو بن العاص...
حدثنا أبو السائب وسعيد بن يحيى، قالا: حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن مسلم، عن مسروق، عن خباب، قال: كنت رجلاً قَيْنا، وكان لي على العاص بن وائل دين، فأتيته أتقاضاه، فقال: والله لا أقضيك حتى تكفر بمحمد، فقلت: والله لا أكفر بمحمد حتى تموت ثم تبعث، قال: فقال: فإذا أنا متّ ثم بُعثت كما تقول، جئتني ولي مال وولد، قال: فأنزل الله تعالى: "أفَرأيْتَ الّذِي كَفَرَ بآياتِنا وَقالَ لأوتَينّ مالاً وَوَلَدا أطّلَعَ الغَيْبَ أمِ اتّخَذَ عِنْدَ الرّحْمنِ عَهْدا" إلى قوله: "ويَأْتينا فَرْدا"...
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
لما كانت مشاهدة الأشياء ورؤيتها طريقاً إلى الإحاطة بها علماً وصحة الخبر عنها، استعملوا «أرأيت» في معنى «أخبر» والفاء جاءت لإفادة معناها الذي هو التعقيب، كأنه قال: أخبر أيضاً بقصة هذا الكافر، واذكر حديثه عقيب حديث أولئك...
اعلم أنه تعالى لما ذكر الدلائل أولا على صحة البعث ثم أورد شبهة المنكرين، وأجاب عنها أورد عنهم الآن ما ذكروه على سبيل الاستهزاء طعنا في القول بالحشر فقال: {أفرأيت الذي كفر بآياتنا وقال لأوتين مالا وولدا}...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
ولما تضمن هذا من التهديد بذلك اليوم ما يقطع القلوب، فيوجب الإقبال على ما ينجي منه، عجب من حال من كفر به، موبخاً له، منكراً عليه، عاطفاً على ما أرشد إليه السياق فقال معبراً عن طلب الخير بالرؤية التي هي الطريق إلى الإحاطة بالأشياء علماً وخبرة، وإلى صحة الخبر عنها: {أفرأيت} أي أرأيت الذي يعرض عن هذا اليوم فرأيت {الذي} زاد على ذلك بأن {كفر بآياتنا} الدالات على عظمتنا بالدلالات البينات {وقال} جراءة منه وجهلاً؛ أو يقال: إنه لما هول أمر ذلك اليوم. وهتك أستار مقالاتهم، وبين وهيها، تسبب عن ذلك التعجيبُ ممن يقول: {لأوتين} أي والله في الساعة على تقدير قيامها ممن له الإيتاء هنالك {مالاً وولداً} أي عظيمين، فلم يكفه في جهله تعجيز القادر حتى ضم إليه إقدار العاجز...
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :
أي: أفلا تتعجب من حالة هذا الكافر، الذي جمع بين كفره بآيات الله ودعواه الكبيرة، أنه سيؤتى في الآخرة مالا وولدا، أي: يكون من أهل الجنة، هذا من أعجب الأمور، فلو كان مؤمنا بالله وادعى هذه الدعوى، لسهل الأمر. وهذه الآية -وإن كانت نازلة في كافر معين- فإنها تشمل كل كافر، زعم أنه على الحق، وأنه من أهل الجنة...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
والرؤية مستعارة للعلم بقصته العجيبة. نُزلت القصة منزلة الشيء المشاهد بالبصر لأنه من أقوى طرق العلم. وعبر عنه بالموصول لما في الصلة من منشأ العجب ولا سيما قوله {لأُوتين مالاً وولداً}. والمقصود من الاستفهام لفت الذهن إلى معرفة هذه القصة أو إلى تذكرها إن كان عالماً بها. والخطاب لكل من يصلح للخطاب فلم يُرد به معيّن. ويجوز أن يكون خطاباً للنبيء صلى الله عليه وسلم...
أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير للجزائري 1439 هـ :
من الهداية: -الكشف عن نفسيات الكافرين لاسيما إذا كانوا أقوياء بمال أو ولد أو سلطان فإنهم يعيشون على الغطرسة منه والاستعلاء وتجاهل الفقراء واحتقارهم...
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
تفكير خرافي ومنحرف: يعتقد بعض الناس أنّ الإِيمان والطهارة والتقوى لا تناسبهم، وأنّها السبب في أن تدبر الدنيا عنهم، أمّا إِذا خرجوا من دائرة الإِيمان والتقوى فإنّ الدنيا ستقبل عليهم، وتزيد ثروتهم وأموالهم! إِنّ هذا النوع من التفكير، سواء كان نابعاً من البساطة واتباع الخرافات، أو أنّه غطاء وتَسَتُّر للفرار من تحمل المسؤوليات والتعهدات الإِلهية، فهو تفكير خاطئ وخطير. لقد رأينا عبدة الأوهام هؤلاء يجعلون أحياناً من كثرة أموال وثروات الأفراد غير المؤمنين، وفقر وحرمان جماعة من المؤمنين، دليلا لإِثبات هذه الخرافة، في حين أنّه لا الأموال التي تصل إلى الإِنسان عن طريق الظلم والكفر وترك أسس التقوى تبعث على الفخر، ولا الإِيمان والتقوى يكونان سداً ومانعاً في طريق النشاطات المشروعة والمباحة مطلقاً. على كل حال، فقد كان في عصر النّبي وكذلك في عصرنا أفراد جاهلون يظنون هذه الظنون والأوهام، أو كانوا يتظاهرون بها على الأقل، فيتحدث القرآن كمواصلة للبحث الذي بيّنه سابقاً حول مصير الكفار والظالمين في الآيات مورد البحث عن طريقة التفكير هذه وعاقبتها، فيقول في أوّل آية من هذه الآيات: (أفرأيت الذي كذب بآياتنا وقال لأُوتين مالا وولداً)...