32- وجعلنا السماء فوقهم كالسقف المرفوع ، وحفظناها من أن تقع أو يقع ما فيها عليهم . وهم مع ذلك منصرفون عن النظر والاعتبار بآياتنا الدالة علي قدرتنا ، وحكمتنا ، ورحمتنا{[128]} .
{ وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا ْ } للأرض التي أنتم عليها { مَحْفُوظًا ْ } من السقوط { إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا ْ } محفوظا أيضا من استراق الشياطين للسمع .
{ وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ ْ } أي : غافلون لاهون ، وهذا عام في جميع آيات السماء ، من علوها ، وسعتها ، وعظمتها ، ولونها الحسن ، وإتقانها العجيب ، وغير ذلك من المشاهد فيها ، من الكواكب الثوابت والسيارات ،
{ وَجَعَلْنَا السمآء سَقْفاً مَّحْفُوظاً وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ } أى : وجعلنا السماء سقفا للأرض كما يكون السقف للبيت ، وجعلناه محفوظا من السقوط ومن التشقق ، ومن كل شيطان رجيم . وهم - أى المشركون - عن آياتها الدالة على قدرتنا ووحدانيتنا وعلمنا . معرضون ذاهولن ، لا يتعظون ولا يتذكرون .
ومن الآيات الدالة على حفظ السماء من السقوط ، قوله - تعالى - : { . . . وَيُمْسِكُ السمآء أَن تَقَعَ عَلَى الأرض إِلاَّ بِإِذْنِهِ إِنَّ الله بالناس لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ } ومن الآيات الدالة على حفظها من التشقق والتفطر قوله - سبحانه - : { أَفَلَمْ ينظروا إِلَى السمآء فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ } وعلى حفظها من الشياطين قوله - تعالى - : { وَحَفِظْنَاهَا مِن كُلِّ شَيْطَانٍ رَّجِيمٍ } ومن الآيات الدالة على إعراض هؤلاء المشركين عن العبر والعظات قوله - سبحانه - : { وَكَأَيِّن مِّن آيَةٍ فِي السماوات والأرض يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ }
القول في تأويل قوله تعالى : { وَجَعَلْنَا السّمَآءَ سَقْفاً مّحْفُوظاً وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ * وَهُوَ الّذِي خَلَقَ الْلّيْلَ وَالنّهَارَ وَالشّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ } .
يقول تعالى ذكره : وَجَعَلْنا السّمَاءَ سَقْفا للأرض مسموكا . وقوله : مَحْفُوظا يقول : حفظناها من كلّ شيطان رجيم .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : سَقْفا مَحْفُوظا قال : مرفوعا .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن مجاهد ، مثله .
حدثنا بِشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قَتادة ، قوله : وَجَعَلْنا السّماءَ سَقْفا مَحْفُوظا . . . الاَية : سقفا مرفوعا ، وموجا مكفوفا .
وقوله : وَهُمْ عَنْ آياتِها مُعْرِضُونَ يقول : هؤلاء المشركون عن آيات السماء ، ويعني بآياتها : شمسها وقمرها ونجومها . مُعْرِضُونَ يقول : وهؤلاء المشركون عن آيات السماء ، ويعني بآياتها : شمسها وقمرها ونجومها . مُعْرِضُونَ : يقول : يعرضون عن التفكر فيها وتدبر ما فيها من حجج الله عليهم ودلالتها على وحدانية خالقهَا ، وأنه لا ينبغي أن تكون العبادة إلا لمن دبرها وسوّاها ، ولا تصلح إلا له .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : وَهُمْ عن آياتِها مُعْرِضُونَ قال : الشمس والقمر والنجوم آيات السماء .
حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن مجاهد ، مثله .
لما ذكر الاعتبار بخلق الأرض وما فيها ناسب بحكم الطباق ذكر خلق السماء عقبه ، إلا أن حالة خلق الأرض فيها منافع للناس . فعقب ذكرها بالامتنان بقوله تعالى : { أن تميد بهم } [ الأنبياء : 31 ] وبقوله تعالى : { لعلهم يهتدون } [ الأنبياء : 31 ] .
وأمّا حال خلق السماء فلا تظهر فيه منفعة فلم يذكر بعده امتنان ، ولكنه ذكر إعراضهم عن التدبر في آيات خلق السماء الدالة على الحكمة البالغة فعقب بقوله تعالى : { وهم عن آياتها معرضون } . فأُدمج في خلال ذلك منة وهي حفظ السماء من أن تقع بعض الأجرام الكائنة فيها أو بعض أجزائها على الأرض فتهلك الناس أو تفسد الأرض فتعطل منافعها ، فذلك إدماج للمنة في خلال الغرض المقصود الذي لا مندوحة عن العبرة به .
والسقف ، حقيقته : غطاء فضاء البيت الموضوع على جدرانه ، ولا يقال السقف على غطاء الخباء والخيمة . وأطلق السقف على السماء على طريقة التشبيه البليغ ، أي جعلناها كالسقف لأن السماء ليست موضوعة على عمد من الأرض ، قال تعالى : { الله الذي رفع السموات } بغير عمد ترونها وقد تقدم في أول سورة الرعد ( 2 ) .
وجملة { وهم عن آياتها معرضون } في موضع الحال . وآيات السماء ما تشتمل عليه السماء من الشمس والقمر والكواكب والشهب وسيرها وشروقها وغروبها وظهورها وغيبتها ، وابتناء ذلك على حساب قويم وترتيب عجيب ، وكلها دلائل على الحكمة البالغة فلذلك سماها آيات . وكذلك ما يبدو لنا من جهة السماء مثل السحاب والبرق والرعد .