المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{أَلَمۡ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ بِٱلۡحَقِّۚ إِن يَشَأۡ يُذۡهِبۡكُمۡ وَيَأۡتِ بِخَلۡقٖ جَدِيدٖ} (19)

19- ألم تعلم - أيها المخاطب - أن الله تعالى خلق السماوات والأرض لتقوما على الحق بمقتضى حكمته ، ومن قدر على هذا كان قادراً على إهلاككم أيها الكافرون والإتيان بخلق جديد غيركم يعترفون بوجوده ووحدانيته إذا شاء .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{أَلَمۡ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ بِٱلۡحَقِّۚ إِن يَشَأۡ يُذۡهِبۡكُمۡ وَيَأۡتِ بِخَلۡقٖ جَدِيدٖ} (19)

القول في تأويل قوله تعالى : { أَلَمْ تَرَ أَنّ اللّهَ خَلَقَ السّمَاوَاتِ وَالأرْضَ بِالْحقّ إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ * وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللّهِ بِعَزِيزٍ } .

يقول عزّ ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : ألم تر يا محمد بعين قلبك ، فتعلم أن الله أنشأ السموات والأرض بالحقّ منفردا بانشائها بغير ظهير ولا معين . إنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ يقول : إن الذي تفرّد بخلق ذلك وإنشائه من غير معين ولا شريك ، إن هو شاء أن يُذْهَبكم فيفنيَكم أذهبكم وأفناكم ، ويأت بخلق آخر سواكم مكانكم ، فيجدّد خلقهم . وَما ذلكَ على اللّهِ بِعَزِيزٍ يقول : وما إذهابكم وإفناؤهم وإنشاء خلق آخر سواكم مكانكم على الله بممتنع ولا متعذّر ، لأنه القادر على ما يشاء .

واختلفت القرّاء في قراءة قوله : ألَمْ تَرَ أنّ اللّهَ خَلَقَ فقرأ ذلك عامّة قرّاء أهل المدينة والبصرة وبعض الكوفيين : «خَلَق » على «فعَل » . وقرأته عامّة قرّاء أهل الكوفة «خالق » على «فاعل » ، وهما قراءتان مستفيضتان قد قرأ بكل واحدة منهما أئمة من القرّاء متقاربتا المعنى ، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{أَلَمۡ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ بِٱلۡحَقِّۚ إِن يَشَأۡ يُذۡهِبۡكُمۡ وَيَأۡتِ بِخَلۡقٖ جَدِيدٖ} (19)

{ ألم تر } خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ، به أمته . وقيل لكل واحد من الكفرة على التلوين . { أن الله خلق السماوات والأرض بالحق } والحكمة والوجه الذي يحق أن تخلق عليه ، وقرأ حمزة والكسائي " خالق السماوات " . { إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد } يعدمكم ويخلق خلقا آخر مكانكم ، رتب ذلك على كونه خالقا للسماوات والأرض استدلالا به عليه ، فإن من خلق أصولهم وما يتوقف عليه تخليقهم ثم كونهم بتبديل الصور وتغيير الطبائع قدر أن يبدلهم بخلق آخر ولم يمتنع عليه ذلك كما قال :

{ وما ذلك على الله بعزيز } .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{أَلَمۡ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ بِٱلۡحَقِّۚ إِن يَشَأۡ يُذۡهِبۡكُمۡ وَيَأۡتِ بِخَلۡقٖ جَدِيدٖ} (19)

استئناف بياني ناشىء عن جملة { فأوحى إليهم ربهم لنهلكن الظالمين } فإن هلاك فئة كاملة شديدة القوة والمرة أمر عجيب يثير في النفوس السؤال : كيف تهلك فئة مثل هؤلاء ؟ ؟ فيجاب بأن الله الذي قدر على خلق السماوات والأرض في عظمتها قادر على إهلاك ما هو دونها ، فمبدأ الاستئناف هو قوله : { إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد } .

وموقع جملة { ألم تر أن الله خلق السموات والأرض بالحق } موقع التعليل لجملة الاستئناف ، قدم عليها كما تجعل النتيجة مقدمة في الخطابة والجِدال على دليلها . وقد بيناه في كتاب « أصول الخطابة » .

ومناسبة موقع هذا الاستئناف ما سبقه من تفرق الرماد في يوم عاصف .

والخطاب في { ألم تر } لكل من يصلح للخطاب غير معيّن ، وكل مَن يظن به التساؤل عن إمكان إهلاك المشركين .

والرؤية : مستعملة في العلم الناشىء عن النظر والتأمل ، لأن السماوات والأرض مشاهدة لكل ناظر ، وأما كونها مخلوقة لله فمحتاج إلى أقل تأمل لسهولة الانتقال من المشاهدة إلى العلم ، وأما كون ذلك ملتبساً بالحق فمحتاج إلى تأمل عميق . فلمّا كان أصل ذلك كله رؤية المخلوقات المذكورة علق الاستدلال على الرؤية ، كقوله تعالى : { قل انظروا ماذا في السماوات والأرض } [ سورة إبراهيم : 101 ] .

والحق هنا : الحكمة ، أي ضد العبث ، بدليل مقابلته به في قوله تعالى : { وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما لاعبين ما خلقناهما إلا بالحق ولكن أكثرهم لا يعلمون } [ سورة الدخان : 38 ، 39 ] .

وقرأه حمزة ، والكسائي ، وخلَف خلق السموات والأرض } بصيغة اسم الفاعل مضاف إلى { السموات } وبخفض { والأرض } .

والخطاب في { يذهبكم } لجماعة من جملتهم المخاطب ب { ألم تر } . والمقصود : التعريض بالمشركين خاصة ، تأكيداً لوعيدهم الذي اقتضاه قوله : { لنهلكن الظالمين ولنسكننكم الأرض من بعدهم } ، أي إن شاء أعدم الناس كلهم وخلق ناساً آخرين .

وقد جيء في الاستدلال على عظيم القدرة بالحكم الأعم إدماجاً للتعليم بالوعيد وإظهاراً لعظيم القدرة . وفيه إيماء إلى أنه يذهب الجبابرة المعاندين ويأتي في مكانهم في سيادة الأرض بالمؤمنين ليمكنهم من الأرض .