المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{إِنَّ فِي ٱخۡتِلَٰفِ ٱلَّيۡلِ وَٱلنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ ٱللَّهُ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يَتَّقُونَ} (6)

6- إن في تعاقب الليل والنهار واختلافهما بالزيادة والنقصان ، وفي خلْق السماوات والأرض وما فيهما من الكائنات ، لأدلة واضحة وحُججاً بينة على ألوهية الخالق وقدرته لمن يتجنبون غضبه ويخافون عذابه{[90]} .


[90]:قد يكون معنى الاختلاف التباين أو التعاقب، فأما الاختلاف بمعنى التباين: فالليل والنهار ضوءان متميزان، وتباينهما يطبع الظواهر الطبيعية وجميع الأحياء في هذا الكوكب بطابعه، كما هو وارد في مواضع أخرى من القرآن الكريم، والتباين قد يعني أيضا التفاوت في أطول النهار وأطول الليل على مدار العام في أي مكان على الأرض، فهو مرتبط بظاهرة الفصول، والتباين بهذا المعنى ناتج عن دوران الأرض حول الشمس كل عام مرة، وعن ميل محورها. أما الاختلاف بمعنى التعاقب فهو نتيجة لدوران الأرض حول محورها. انظر أيضا التعليق العلمي على الآية 80 من سورة المؤمنون.
 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{إِنَّ فِي ٱخۡتِلَٰفِ ٱلَّيۡلِ وَٱلنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ ٱللَّهُ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يَتَّقُونَ} (6)

ثم بين - سبحانه - لونا آخر من ألوان قدرته ورحمته فقال : { إِنَّ في اختلاف الليل والنهار } طولا وقصرا ، وحرا وبردا ، وتعاقبا دقيقا لا يسبق أحدهما معه الآخر { وَمَا خَلَقَ الله في السماوات والأرض } من أنواع الإنس والجن والحيوان والنبات والنجوم وغير ذلك من المخلوقات التي لا تعد ولا تحصى . .

إن في كل ذلك الذي خلقه { لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَّقُونَ } أى : لدلائل عظيمة كثيرة دالة على قدرة الله ورحمته ووحدانيته ، لقوم يتقون الله - تعالى - فيحذرون عقابه ، ويرجون رحمته .

وخص - سبحانه - المتقين بالذكر ، لأنهم هم المنتفعون بنتائج التدبر في هذه الدلائل .

وبذلك نرى أن القرآن الكريم قد سلك أنجع الوسائل في مخاطبة الفطرة البشرية ، حيث لفت الأنظار إلى ما اشتمل عليه هذا الكون من مخلوقات شاهدة محسوسة ، تدل على وحدانية الله ، وقدرته النافذة ، ورحمته السابغة بعباده .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{إِنَّ فِي ٱخۡتِلَٰفِ ٱلَّيۡلِ وَٱلنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ ٱللَّهُ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يَتَّقُونَ} (6)

استدلال آخر على انفراد الله تعالى بالخلق والتقدير . وهو استدلال بأحوال الضوء والظلمة وتعاقب الليل والنهار وفي ذلك عبرة عظيمة . وهو بما فيه من عطف قوله : { وما خلق الله في السماوات والأرض } أعم من الدليل الأول لشموله ما هو أكثر من خلق الشمس والقمر ومن خلق الليل والنهار ومن كل ما في الأرض والسماء مما تبلغ إليه معرفة الناس في مختلف العصور وعلى تفاوت مقادير الاستدلال من عقولهم .

وتأكيد هذا الاستدلال بحرف { إنَّ } لأجل تنزيل المخاطبين به الذين لم يهتدوا بتلك الدلائل إلى التوحيد منزلة من ينكر أن في ذلك آيات على الوحدانية بعدم جريهم على موجب العلم .

وتقدم القول في شبيهة هذه الآية وهو قوله : { إنّ في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر } الآية في سورة البقرة ( 164 ) وفي خواتم سورة آل عمران .

وشمل قوله : { وما خلق الله } الأجسام والأحوال كلها .

وجعلت الآيات هنا لقوم يتقون وفي آية البقرة ( 164 ) { لقوم يعقلون } وفي آية آل عمران ( 190 ) لأولي الألباب لأن السياق هنا تعريض بالمشركين الذين لم يهتدوا بالآيات ليعلموا أن بعدهم عن التقوى هو سبب حرمَانهم من الانتفاع بالآيات ، وأن نفعها حاصل للذين يتقون ، أي يحذرون الضلال . فالمتقون هم المتصفون باتقاء ما يوقع في الخسران فيبعثهم على تطلب أسباب النجاح فيتوجه الفكر إلى النظر والاسْتدلال بالدلائل . وقد مر تعليل ذلك عند قوله تعالى : { هُدى للمتقين } في أول البقرة ( 2 ) على أنه قد سبق قوله في الآية قبلها { نفصل الآيات لقوم يعلمون } [ يونس : 5 ] ، وأما آية البقرة وآية آل عمران فهما واردتان في سياق شامل للناس على السواء . وذكر لفظ ( قوم ) تقدم في الآية قبل هذه .