مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{إِنَّ فِي ٱخۡتِلَٰفِ ٱلَّيۡلِ وَٱلنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ ٱللَّهُ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يَتَّقُونَ} (6)

قوله تعالى : { إن في اختلاف الليل والنهار وما خلق الله في السموات والأرض لآيات لقوم يتقون }

اعلم أنه تعالى استدل على التوحيد والإلهيات أولا : بتخليق السموات والأرض ، وثانيا : بأحوال الشمس والقمر ، وثالثا : في هذه الآية بالمنافع الحاصلة من اختلاف الليل والنهار ، وقد تقدم تفسيره في سورة البقرة في تفسير قوله : { إن في خلق السموات والأرض } ورابعا : بكل ما خلق الله في السموات والأرض ، وهي أقسام الحوادث الحادثة في هذا العالم ، وهي محصورة في أربعة أقسام : أحدها : الأحوال الحادثة في العناصر الأربعة ، ويدخل فيها أحوال الرعد والبرق والسحاب والأمطار والثلوج . ويدخل فيها أيضا أحوال المد والجزر ، وأحوال الصواعق والزلازل والخسف . وثانيها : أحوال المعادن وهي عجيبة كثيرة . وثالثها : اختلاف أحوال النبات . ورابعها : اختلاف أحوال الحيوانات ، وجملة هذه الأقسام الأربعة داخلة في قوله تعالى : { وما خلق الله في السموات والأرض } والاستقصاء في شرح هذه الأحوال مما لا يمكن في ألف مجلد ، بل كل ما ذكره العقلاء في أحوال أقسام هذا العالم فهو جزء مختصر من هذا الباب .

ثم إنه تعالى بعد ذكر هذه الدلائل قال : { لآيات لقوم يتقون } فخصها بالمتقين ، لأنهم يحذرون العاقبة فيدعوهم الحذر إلى التدبر والنظر . قال القفال : من تدبر في هذه الأحوال علم أن الدنيا مخلوقة لشقاء الناس فيها ، وأن خالقها وخالقهم ما أهملهم ، بل جعلها لهم دار عمل . وإذا كان كذلك فلا بد من أمر ونهي ، ثم من ثواب وعقاب ، ليتميز المحسن عن المسيء ، فهذه الأحوال في الحقيقة دالة على صحة القول بإثبات المبدأ وإثبات المعاد .