فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{إِنَّ فِي ٱخۡتِلَٰفِ ٱلَّيۡلِ وَٱلنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ ٱللَّهُ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يَتَّقُونَ} (6)

ثم ذكر سبحانه المنافع الحاصلة من اختلاف الليل والنهار وما خلق الله في السماوات والأرض من تلك المخلوقات فقال : { إن في اختلاف الليل والنهار } أي في تعاقبهما وكون كل منها خلفة للآخر بحسب طلوع الشمس وغروبها أو في تفاوتهما في أنفسهما بازدياد كل منهما وانتقاص الآخر باختلاف حال الشمس بالنسبة إلينا قربا وبعدا بحسب الأزمنة أو في اختلافهما وتفاوتهما بحسب الأمكنة إما في الطول والقصر فإن البلاد القريبة من القطب الشمالي أيامها الصيفية أطول ولياليها الصيفية أقصر من أيام البلاد البعيدة منه ولياليها وأما في أنفسها فإن كروية الأرض تقتضي أن يكون بعض الأوقات في بعض الأماكن ليلا وفي مقابله نهارا .

{ وما خلق الله في السماوات } من ملائكة وشمس وقمر ونجوم وغير ذلك { والأرض } من حيوان وجبال وبخار وأنهار وأشجار وغيرها ، { لآيات } دلالات على قدرته تعالى { لقوم يتقون } الله سبحانه ويجتنبون معاصيه ، خصهم بهذه الآيات لأنهم الذين يمنعون النظر والتفكر في مخلوقات الله سبحانه حذرا منهم عن الوقوع في شيء مما يخالف مراد الله سبحانه ونظرا لعاقبة أمرهم وما يصلحهم في معادهم .

قال القفال : من تدبر في هذه الأحوال علم أن الدنيا مخلوقة لبقاء الناس فيها وأن خالقها ما أهملهم بل جعلها لهم دار عمل ، وإذا كان كذلك فلا بد من أمر ونهي .

عن خليفة العبدي قال : لو أن الله تبارك وتعالى لم يعبد إلا عن رؤية ما عبده أحد ، ولكن المؤمنين تفكروا في مجيء هذا الليل إذا جاء فملأ كل شيء وغطى كل شيء وفي مجيء سلطان النهار إذا جاء فمحا سلطان الليل وفي السحاب المسخر بين السماء والأرض ، وفي النجوم وفي الشتاء والصيف فوالله ما زال المؤمنون يتفكرون فيما خلق ربهم حتى أيقنت قلوبهم بربهم وقد تقدم تفسير هذه الآية في نظائرها .