المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{الٓمٓ} (1)

مقدمة السورة:

بدأت السورة الكريمة بالحديث عن الكتب وما فيه من هدى ورحمة ، ووصفت المحسنين بالطاعة لله والإيمان بالآخرة والحصول على الفلاح ، وعقبت بذكر المضلين المستكبرين ، وبشرت المؤمنين بحسن جزائهم في دار النعيم ، ولفتت الأنظار إلى الآيات الكونية التي تدل على قدرة الله تعالى ووحدانيته ، وتحدث الكفار بأن الله الذي أشركوا به خلق ما لا يقدر عليه أحد سواه . وانتقلت وصايا لقمان لابنه ، وما اندمج فيها من وصية الإنسان بوالديه ، وعرضت لما سخره الله للإنسان ، وما أسبغه عليه من النعم الظاهرة والباطنة .

وتحدثت عمن يجادلون في الله بغير علم ، ويعتذرون عن ضلالهم باتباع ما كان عليه آباؤهم ، ونوهت بشأن من يسلم وجهه إلى الله وهو محسن ، ونصحت للرسول بألا يحزن كفر من كفر فمرجعه إلى الله ، وفصلت كثيرا من مظاهر القدرة والعظمة والرحمة .

وذكرت أن المشركين إذا سئلوا عنها يعترفون بخلق الله لها وهم يستمدون من فضل الله ، ويلجأون إليه في أزماتهم ، ويعدونه بالشكر ثم يخلفون .

وأمرت السورة بتقوى الله والخشية من الحساب والجزاء ، وحذرت من الغرور وطاعة الشيطان ، وختمت بما استأثر بعلمه . وأهم ما تناولته السورة ثلاثة أغراض :

الأول : تبشير المحسنين بنعيمهم ، وإنذار الكافرين بعذابهم .

الثاني : عرض الآيات الكونية وما فيها من المظاهر التي تشهد بقدرة ووحدانيته ومبلغ عظمته ورحمته .

الثالث : الوصايا العظيمة التي عنيت بسلامة العقيدة ، والمحافظة على الطاعة وحسن الخلق .

1- الم : هذه حروف ابتدأ الله بها بعض السور ، ليشير بها إلى إعجاز القرآن المؤلف من حروف كالحروف التي يؤلف منها العرب كلامهم ، ومع ذلك عجزوا عن الإتيان بمثله ، ولينبِّه إلى الاستماع والإنصات ، وكان المشركون قد اتفقوا على أن يَلْغوا فيه ولا يسمعوا .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{الٓمٓ} (1)

مقدمة السورة:

تفسير سورة لقمان

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة

1- سورة لقمان هي السورة الحادية والثلاثون في ترتيب المصحف ، أما ترتيبها في النزول فهي السورة السادسة والخمسون من بين السور المكية ، وكان نزولها بعد سورة الصافات( {[1]} ) .

وعدد آياتها : أربع وثلاثون آية . وقد ذكر الإمام ابن كثير وغيره أنها مكية ، دون أن يستثني شيئا منها .

وقال الآلوسي ما ملخصه : أخرج ابن الضريس ، وابن مردويه ، عن ابن عباس أنه قال : أنزلت سورة لقمان بمكة . . . وفي رواية عنه : أنها مكية إلا ثلاث آيات تبدأ بقوله –تعالى- : [ ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام ]( {[2]} ) .

2- وتبدأ السورة الكريمة ، بالثناء على القرآن الكريم ، وعلى المؤمنين الذين يقيمون الصلاة ، ويؤتون الزكاة ، وهم بالآخرة هم يوقنون .

ثم تنتقل إلى الحديث عن جانب من صفات المشركين ، الذين يستهزئون بآيات الله –تعالى- ، ويعرضون عنها ، [ وإذا تتلى عليه آياتنا ولى مستكبرا كأن لم يسمعها ، كأن في أذنيه وقرا ، فبشره بعذاب أليم ] .

ثم ساقت أدلة متعددة على وحدانية الله –تعالى- وقدرته ، قال –تعالى- : [ خلق السموات بغير عمد ترونها ، وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم ، وبث فيها من كل دابة ، وأنزلنا من السماء ماء فأنبتنا فيها من كل زوج كريم . هذا خلق الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه ، بل الظالمون في ضلال مبين ] .

3- ثم قص علينا –سبحانه- تلك الوصايا الحكيمة ، التي أوصى بها لقمان ابنه ، والتي اشتملت على ما يهدي إلى العقيدة السليمة ، وإلى الأخلاق الكريمة ، وإلى مراقبة الخالق –عز وجل- وإلى أداء العبادات التي كلفنا –سبحانه- بها .

ومن هذه الوصايا قوله –سبحانه- : [ يا بني أقم الصلاة ، وأمر بالمعروف وانه عن المنكر ، واصبر على ما أصابك ، إن ذلك من عزم الأمور . ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحا ، إن الله لا يحب كل مختال فخور . واقصد في مشيك ، واغضض من صوتك ، إن أنكر الأصوات لصوت الحمير ] .

4- ثم بين –سبحانه- ألوانا من نعمه على عباده ، منها ما يتعلق بخلق السموات ، ومنها ما يتعلق بخلق الأرض ، كما بين –عز وجل- أن علمه محيط بكل شيء ، وأنه لا نهاية له . . قال –تعالى- : [ ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ، ما نفدت كلمات الله ، إن الله عزيز حكيم . ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة ، إن الله سميع بصير ] .

5- ثم ختم –سبحانه- السورة الكريمة ، بدعوة الناس جميعا إلى تقواه –عز وجل- وإلى بيان الأمور الخمسة التي لا يعلمها إلا هو –سبحانه- فقال : [ يأيها الناس اتقوا ربكم واخشوا يوما لا يجزى والد عن ولده ، ولا مولود هو جاز عن والده شيئا ، إن وعد الله حق ، فلا تغرنكم الحياة الدنيا ، ولا يغرنكم بالله الغرور . إن الله عنده علم الساعة ، وينزل الغيث ، ويعلم ما في الأرحام ، وما تدري نفس ماذا تكسب غدا ، وما تدري نفس بأي أرض تموت ، إن الله عليم خبير ] .

6- هذا ، والمتأمل في هذه السورة الكريمة ، يراها قد خاطبت النفس البشرية ، بما من شأنه أن يسعدها ويحييها حياة طيبة .

إنها قد بينت أوصاف المؤمنين الصادقين ، وأوصاف أعدائهم : وبينت عاقبة الأخيار وعاقبة الأشرار ، ووضحت تلك الوصايا الحكيمة التي أوصى بها لقمان ابنه وأحب الناس إليه ، وساقت أنواعا من النعم التي أنعم بها –سبحانه- على عباده ، وبينت أن هناك أمورا لا يعلمها إلا الله –تعالى- وحده .

وقد ساقت السورة ما ساقت من هدايات ، بأسلوب بليغ مؤثر ، يرضي العواطف ، ويقنع العقول . .

نسأل الله –تعالى- أن يجعل القرآن ربيع قلوبنا ، وأنس نفوسنا .

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .

سورة لقمان من السور التى بدئت ببعض حروف التهجى . .

وقد فصلنا القول فى معانيها ، عند تفسيرنا لسور : البقرة ، وآل عمران وغيرهما .

وقلنا فى نهاية سردنا لأقوال العلماء فى ذلك : ولعل أقرب الأقوال إلى الصواب أن يقال : إن هذه الحروف المقطعة ، قد وردت فى افتتاح بعض السور ، للإِشعار بأن هذا القرآن الذى تحدى الله به المشركين ، هو من جنس الكلام المركب من هذه الحروف التى يعرفونها . فإذا عجزوا عن الإِتيان بسورة من مثله ، فذلك لبلوغه فى الفصاحة والحكمة ، مرتبة يقف فصحاؤهم وبلغاؤهم دونها بمراحل شاسعة .


[1]:- سورة إبراهيم: الآية 1.
[2]:- سورة الإسراء. الآية 9.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{الٓمٓ} (1)

مقدمة السورة:

سميت هذه السورة بإضافتها إلى لقمان لأن فيها ذكر لقمان وحكمته وجملا من حكمته التي أدب بها ابنه . وليس لها اسم غير هذا الاسم ، وبهذا الاسم عرفت بين القراء والمفسرين . ولم أقف على تصريح به فيما يروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بسند مقبول .

وروى البيهقي في دلائل النبوة عن ابن عباس : أنزلت سورة لقمان بمكة .

وهي مكية كلها عند ابن عباس في أشهر قوليه وعليه إطلاق جمهور المفسرين وعن ابن عباس من رواية النحاس استثناء ثلاث آيات من قوله تعالى { ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام } إلى قوله { بما تعملون خبير } . وعن قتادة إلا آيتين إلى قوله { إن الله سميع بصير } . وفي تفسير الكواشي حكاية قول إنها مكية عدا آية نزلت بالمدينة وهي { الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم يوقنون } قائلا لأن الصلاة والزكاة فرضت بالمدينة . ورده البيضاوي على تسليم ذلك بأن فرضها بالمدينة لا ينافي تشريعها بمكة على غير إيجاب . والمحقوق يمنعون أن تكون الصلاة والزكاة فرضتا بالمدينة ، فأما الصلاة فلا ريب في أنها فرضت على الجملة بمكة ، وأما الزكاة ففرضت بمكة دون تعيين أنصباء ومقادير ، ثم عينت الأنصباء والمقادير بالمدينة .

ويتحصل من هذا أن القائل بأن آية { الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة } إلى آخرها نزلت بالمدينة قاله من قبل رأيه وليس له سند يعتمد كما يؤذن به قوله لأن الصلاة والزكاة الخ . ثم هو يقتضي أن يكون صدر سورة النازل بمكة { هدى ورحمة للمحسنين } { وأولئك على هدى من ربهم } الخ ثم ألحق به { الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم يوقنون } .

وأما القول باستثناء آيتين وثلاث فمستند إلى ما رواه ابن جرير عن قتادة وعن سعيد بن جبير عن ابن عباس : أن قوله تعالى { ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام } إلى آخر الآيتين أو الثلاث نزلت بسبب مجادلة كانت من اليهود أن أحبارهم قالوا : يا محمد أرأيت قوله { وما أوتيتم من العلم إلا قليلا } إيانا تريد أم قومك? فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كلا أردت . قالوا : ألست تتلو فيما جاءك أنا قد أوتينا التوراة فيها تبيان كل شئ ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنها في علم الله قليل ، فأنزل الله عليه { ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام } الآيات . وذلك مروي بأسانيد ضعيفة وعلى تسليمها فقد أجيب بأن اليهود جادلوا في ذلك ورسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة بأن لقنوا ذلك وفدا من قريش إليهم إلى المدينة ، وهذا أقرب للتوفيق بين الأقوال . وهذه الروايات وإن كانت غير ثابتة بسند صحيح إلا أن مثل هذا يكتفي فيه بالمقبول في الجملة . قال أبو حيان : سبب نزول هذه السورة أن قريشا سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قصة لقمان مع ابنه ، أي سألوه سؤال تعنت واختبار . وهذا الذي ذكره أبو حيان يؤيد تصدير السورة بقوله تعالى { ومن الناس من يشتري لهو الحديث } .

وهذه السورة هي السابعة والخمسون في تعداد نزول السور ، نزلت بعد سورة الصافات وقبل سورة سبأ .

وعدت آياتها ثلاثا وثلاثين في عد أهل المدينة ومكة ، وأربعا وثلاثين في عد أهل الشام والبصرة والكوفة .

أغراض هذه السورة

الأغراض التي اشتملت عليها هذه السورة تتصل بسبب نزولها الذي تقدم ذكره أن المشركين سألوا عن قصة لقمان وابنه ، وإذا جمعنا بين هذا وبين ما سيأتي عند قوله تعالى { ومن الناس من يشتري لهو الحديث } من أن المراد به النضر بن الحارث إذ كان يسافر إلى بلاد الفرس فيقتني كتب اسفنديار ورستم وبهرام ، وكان يقرؤها على قريش ويقول : يخبركم محمد عن عاد وثمود وأحثكم أنا عن رستم واسفنديار وبهرام ، فصدرت هذه السورة بالتنويه بهدى القرآن ليعلم الناس أنه لا يشتمل إلا على ما فيه هدى وإرشاد للخير ومثل الكمال النفساني ، فلا التفات فيه إلى أخبار الجبابرة وأهل الضلال إلا في مقام التحذير مما هم فيه ومن عواقبه ، فكان صدر هذه السورة تمهيدا لقصة لقمان ، وقد تقدم الإلماع إلى هذا في قوله تعالى في أول سورة يوسف { نحن نقص عليك أحسن القصص } ، ونبهت عليه في المقدمة السابعة بهذا التفسير .

وانتقل من ذلك إلى تسفيه النضر بن الحارث وقصصه الباطلة .

وابتدئ ذكر لقمان بالتنويه بأن آتاه الله الحكمة وأمره بشكر النعمة . وأطيل الكلام في وصايا لقمان وما اشتملت عليه : من التحذير من الإشراك ، ومن الأمر ببر الوالدين ، ومن مراقبة الله لأنه عليم بخفيات الأمور ، وإقامة الصلاة ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والصبر ، والتحذير من الكبر والعجب ، والأمر بالاتسام بسمات المتواضعين في المشي والكلام .

وسلكت السورة أفانين ذات مناسبات لما تضمنته وصية لقان لابنه ، وأدمج في ذلك تذكير المشركين بدلائل وحدانية الله تعالى وبنعمه عليهم وكيف أعرضوا عن هديه وتمسكوا بما ألفوا عليه آباءهم .

وذكرت مزية دين الإسلام .

وتسلية الرسول صلى الله عليه وسلم بتمسك المسلمين بالعروة الوثقى ، وأنه لا يحزنه كفر من كفروا .

وانتظم في هذه السورة الرد على المعارضين للقرآن في قوله { ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام } وما بعدها . وختمت بالتحذير من دعوة الشيطان والتنبيه إلى بطلان ادعاء علم الغيب .

تقدم الكلام على نظائرها في أول سورة البقرة .