المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَقَالَ ٱلَّذِي نَجَا مِنۡهُمَا وَٱدَّكَرَ بَعۡدَ أُمَّةٍ أَنَا۠ أُنَبِّئُكُم بِتَأۡوِيلِهِۦ فَأَرۡسِلُونِ} (45)

45- وقال الذي نجا من صاحبي يوسف في السجن ، وتذكَّر بعد مضى مدة طويلة وصية يوسف ، أنا أخبركم بتأويل الحديث الذي ذكره الملك ، فأرسلوني إلى من عنده علم بتأويله آتكم بنبئه .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَقَالَ ٱلَّذِي نَجَا مِنۡهُمَا وَٱدَّكَرَ بَعۡدَ أُمَّةٍ أَنَا۠ أُنَبِّئُكُم بِتَأۡوِيلِهِۦ فَأَرۡسِلُونِ} (45)

ثم بين - سبحانه - ما حدث بعد أن عجز الملأ من قوم الملك عن تأويل رؤياه فقال : { وَقَالَ الذي نَجَا مِنْهُمَا } أى : وقال أحد الرجلين اللذين كانا مع يوسف في السجن ثم خرج منه بريئا وهو ساقى الملك .

{ وادكر بَعْدَ أُمَّةٍ } : وتذكر بعد حين طويل من الزمان كيف فسر له يوسف رؤياه تفسيرا صادقا أيام أن كان معه في السجن .

واصل " ادكر " اذتكر بوزن افتعل ، مأخوذ من الذكر - بتشديد الذال وضمها - قلبت تاء الافتعال دالا لثقلها ولتقارب مخرجيهما ، ثم قلبت الذال دالا ليتأتى إدغامها في الدال ، لأنها أخف من الذال .

والأمة : الجماعة التي تؤم وتقصد لأمر ما ، والمراد بها هنا : المدة المتطاولة من الزمان وكان هذا الساقى قد نسى ما أوصاه به يوسف من قوله { اذكرني عِندَ رَبِّكَ } فلما قال الملك ما قاله بشأن رؤياه ، تذكر هاذا الساقى حال يوسف .

قالوا : وكان ذلك بعد سنتين من خروجه من السجن .

وقوله { أَنَاْ أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ } أى : قال الساقى للمك وحاشيته : أنا أخبركم بتأويله : بتفسير رؤيا الملك التي خفى تفسيرها على الملأ من قومه . فأرسلون ، أى : فابعثونى إلى من عنده العلم الصحيح الصادق بتفسيرها .

ولم يذكر لهم اسم المرسل إليه ، وهو يوسف - عليه السلام - لأنه أراد أن يفاجئهم بخبره بعد حصول تأويله للرؤيا ، فيكون ذلك أوقع في قلوبهم ، وأسمى لشأن يوسف - عليه السلام - .

وقال { فَأَرْسِلُونِ } ليشعرهم أن هذا التأويل ليس من عند نفسه ، وإنما هو من عند من سيرسلونه إليه وهو يوسف - عليه السلام .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَقَالَ ٱلَّذِي نَجَا مِنۡهُمَا وَٱدَّكَرَ بَعۡدَ أُمَّةٍ أَنَا۠ أُنَبِّئُكُم بِتَأۡوِيلِهِۦ فَأَرۡسِلُونِ} (45)

ولما سمع الساقي - الذي نجا - هذه المقالة من الملك ومراجعة أصحابه ، تذكر يوسف وعلمه بتأويل الأحلام والرؤى ، فقال مقالته في هذه الآية .

و { ادكر } أصله ادتكر - افتعل - من الذكر ، قلبت التاء دالاً وأدغم الأول في الثاني ، ثم بدلت دالاً غير منقوطة لقوة الدال وجلدها ، وبعض العرب يقول : اذكر ؛ وقرىء { فهل من مذكر }{[9]} بالنقط و { من مدكر } [ القمر : 15 ، 17 ، 22 ، 32 ، 40 ، 51 ] على اللغتين ؛ وقرأ جمهور الناس : «بعد أمة »{[10]} وهي المدة من الدهر ، وقرأ ابن عباس وجماعة «بعد أمة » وهو النسيان ، وقرأ مجاهد وشبل بن عزرة{[11]} «بعد أمه » بسكون الميم وهو مصدر من أمه إذا نسي ، وقرأ الأشهب العقيلي «بعد إمة » بكسر الهمزة ، والإمة : النعمة والمعنى : بعد نعمة أنعمها الله على يوسف في تقريب إطلاقه وعزته . وبقوله : { ادكر } يقوي قول من يقول : إن الضمير في { أنسانيه } [ الكهف : 63 ] عائد على الساقي ، والأمر محتمل .

وقرأ الجمهور : «أنا أنبئكم » وقرأ الحسن بن أبي الحسن : «أنا آتيكم » ، وكذلك في مصحف أبي بن كعب .

وقوله : { فأرسلون } استئذان في المضي ، فقيل : كان السجن في غير مدينة الملك - قاله ابن عباس - وقيل : كان فيها{[6706]} .

قال القاضي أبو محمد : ويرسم الناس اليوم سجن يوسف في موضع على النيل بينه وبين الفسطاط ثمانية أميال .


[9]:- من الناس من يذهب إلى أن هذا من المتشابه الذي لا يعلمه إلا الله، ومنهم الإمام أحمد، وإسحاق بن راهويه، قال ابن عبد البر: السكوت في هذه المسألة أفضل من الكلام وأسلم. وحديث : (قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن) رواه الإمام مالك في الموطأ، والبخاري، والترمذي، وروى الترمذي عن أنس وابن عباس قالا: قال رسول صلى الله عليه وسلم: (إذا زلزلت تعدل نصف القرآن، وقل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن، وقل يا أيها الكافرون تعدل ربع القرآن). ومن الناس من يؤول ذلك باعتبار المعاني التي تشتمل عليها، وقد أشار المؤلف رحمه الله إلى هذين القولين، ويشير بذلك إلى أنه لا تفاضل بين كلام الله لأنه صفة ذاتية، وإنما التفاضل في المعاني باعتبار الأجر والثواب. والله أعلم.
[10]:- رواه الإمام أحمد، والحاكم، عن أبي سعيد، وأبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله اصطفى من الكلام أربعا: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر. فمن قال: سبحان الله كتبت له عشرون حسنة، وحطت عنه عشرون سيئة، ومن قال: الله أكبر مثل ذلك. ومن قال: لا إله إلا الله مثل ذلك، ومن قال: الحمد لله رب العالمين كتبت له ثلاثون حسنة) ومن تمام الحديث كما في الجامع الصغير: (وحط عنه ثلاثون خطيئة).
[11]:- في بعض النسخ (رفْع) بالراء.
[6706]:وفي الكلام حذف بعد [فأرسلون]، والتقدير: "فأرسلوه إلى يوسف فأتاه فقال"، والصديق: بناء مبالغة مثل: السكير، والشريب، وكان الساقي قد صحب يوسف زمانا وخبره وعرف صدقه في غير ما أمر، كتأويل رؤياه ورؤيا صاحبه.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَقَالَ ٱلَّذِي نَجَا مِنۡهُمَا وَٱدَّكَرَ بَعۡدَ أُمَّةٍ أَنَا۠ أُنَبِّئُكُم بِتَأۡوِيلِهِۦ فَأَرۡسِلُونِ} (45)

{ ادّكر } بالدال المهملة أصله : اذتكر ، وهو افتعال من الذكر ، قلبت تاء الافتعال دالاً لثقلها ولتقارب مخرجيهما ثم قلبت الذال ليتأتّى ادغامها في الدال لأن الدال أخف من الذال . وهذا أفصح الإبدال في ادّكر . وهو قراءة النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى : { فهل من مدّكر } [ سورة القمر : 15 ] كما في الصحيح .

ومعنى { بعد أمة } بعد زمن مضى على نسيانه وصاية يوسف عليه السّلام . والأمة : أطلقت هنا على المدة الطويلة ، وأصل إطلاق الأمة على المدة الطويلة هو أنها زمن ينقرض في مثله جيل ، والجيل يسمى أمة ، كما في قوله تعالى : { كنتم خير أمةٍ أخرجت للناس } [ سورة آل عمران : 110 ] على قول من حمله على الصحابة .

وإطلاقه في هذه الآية مبالغة في زمن نسيان الساقي . وفي التوراة كانت مدة نسيانه سنتين .

وضمائر جمع المخاطب في أنبئكم } { فأرسلون } مخاطب بها الملك على وجه التعظيم كقوله تعالى : { قال رب ارجعون } [ سورة المؤمنون : 99 ] .

ولم يسمّ لهم المرسل إليه لأنه أراد أن يفاجئهم بخبر يوسف عليه السّلام بعد حصول تعبيره ليكون أوقع ، إذ ليس مثله مظنة أن يكون بين المساجين .