المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{لِّنُحۡـِۧيَ بِهِۦ بَلۡدَةٗ مَّيۡتٗا وَنُسۡقِيَهُۥ مِمَّا خَلَقۡنَآ أَنۡعَٰمٗا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرٗا} (49)

49- أنزلنا المطر لينبت به الزرع ، فتحيا به الأرض الجدبة بعد موتها ، وينتفع به السقيا مما خلق أنعاماً وأناسي كثيراً .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{لِّنُحۡـِۧيَ بِهِۦ بَلۡدَةٗ مَّيۡتٗا وَنُسۡقِيَهُۥ مِمَّا خَلَقۡنَآ أَنۡعَٰمٗا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرٗا} (49)

وقوله - تعالى - : { لِّنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَّيْتاً وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَآ أَنْعَاماً وَأَنَاسِيَّ كَثِيراً } .

أى : أنزلنا من السماء ماء طهورا ، لنحيى بهذا الماء بلدة ، أى : أرضا جدباء لا نبات فيها لعدم نزول المطر عليها ، ولكى نسقى بهذا الماء أيضا " أنعاما " أى : إبلا وبقرا وغنما " وأناسى كثيرا " أى : وعددا كثيرا من الناس . فالأناسى : جمع إنسان واصله أناسين فقلبت نونه ياء وأدغمت فيما قبلها .

وقدم - سبحانه - إحياء الأرض ، لأن خروج النبات منها بسبب المطر تتوقف عليه حياة الناس والأنعام وغيرهما .

وخص الأنعام بالذكر ، لأن مدار معاشهم عليها ، ولذا قدم سقيها على سقيهم .

قال صاحب الكشاف : فإن قلت : لم خص الأنعام من بين ما خلق من الحيوان الشارب ؟

قلت : لأن الطير والوحش تبعد فى طلب الماء فلا يعوزها الشرب بخلاف الأنعام . .

فإن قلت : فما معنى تنكير الأنعام والأناسى وصفها بالكثرة .

قلت : معنى ذلك أن عِلْيَة الناس وجلهم مُنيخون بالقرب من الأودية والأنهار ومنابع الماء ، فيهم غنية عن سقى السماء ، وأعقابهم - وهم كثير منهم - لا يعيشهم إلا ما ينزل الله من رحمته وسقيا سمائه .

فإن قلت : لم قدم إحياء الأرض وسقى الأنعام على سقى الأناسى ؟

قلت : لأن حياة الأناسى بحياة أرضهم وحياة أنعامهم ، فقدم ما هو سبب حياتهم وتعيشهم على سقيهم ، ولأنهم إذا ظفروا بما يكون سقيا لأرضهم ومواشيهم لم يعدموا سقياهم .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{لِّنُحۡـِۧيَ بِهِۦ بَلۡدَةٗ مَّيۡتٗا وَنُسۡقِيَهُۥ مِمَّا خَلَقۡنَآ أَنۡعَٰمٗا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرٗا} (49)

ووصف «البلدة » ب «الميت » لأنه جعله كالمصدر الذي يوصف به المذكر والمؤنث وجاز ذلك من حيث البلدة بمعنى البلد ، وقرأ طلحة بن مصرف «لننشىء{[8841]} به بلدة ونُسقيه » بضم النون وهي قراءة الجمهور ومعناه نجعله لهم سقياً ، هذا قول بعض اللغويين في أسقى قالوا وسقى معناه للشفة{[8842]} ، وقال الجمهور سقى وأسقى بمعنى واحد وينشد على ذلك بيت لبيد : [ الوافر ]

سقى قومي بني نجد وأسقى . . . نميراً والقبائل من هلال{[8843]}

وقرأ أبو عمرو «ونَسقيه » بفتح النون وهي قراءة ابن مسعود وابن أبي عبلة وأبي حيوة ، ورويت عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، { وأناسيٌ } ، قيل هو جمع إنسان والياء المشددة بدل من النون في الواحد قاله سيبويه ، وقال المبرد هو جمع إنسي وكان القياس أن يكون أناسية{[8844]} كما قالوا في مهلبي ومهالبة{[8845]} ، وحكى الطبري عن بعض اللغويين في جمع إنسان إناسين بالنون كسرحان وبستان ، وقرأ يحيى بن الحارث «أناسي » بتخفيف الياء .


[8841]:هكذا في جميع الأصول.
[8842]:في (اللسان- سقى): "يقال: سقيته لشفته، وأسقيه لماشيته وأرضه.
[8843]:سقى وأسقى هنا بمعنى واحد، وقد استشهد اللسان بهذا البيت على ذلك، ومجد: ابنة تيم بن غالب، وهي أم كلاب وكليب ابني ربيعة بن عامر، وبسببها عد بنو عامر من الحمس، لأنها قرشية.
[8844]:في الأصول: " إنسانية".
[8845]:المثال الذي ذكر في كتب اللغة، وعنها أخذ المفسرون، وقاله الفراء في أحد قولين له هو: "جمع القرقور على قراقر وقراقير"، والقرقور: ضرب من السفن، وقيل: هو السفينة الكبيرة الطويلة.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{لِّنُحۡـِۧيَ بِهِۦ بَلۡدَةٗ مَّيۡتٗا وَنُسۡقِيَهُۥ مِمَّا خَلَقۡنَآ أَنۡعَٰمٗا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرٗا} (49)

في قوله { لنحي به بلدة ميتاً } إيماء إلى تقريب إمكان البعث .

و { نُسقيه } بضم النون مضارع أسقى مثل الذي بفتح النون فقيل هما لغتان يقال : أسقى وسَقى . قال تعالى : { قالتا لا نَسقي } [ القصص : 23 ] بفتح النون . وقيل : سقى : أعطى الشراب ، وأسقى : هيَّأ الماء للشرب . وهذا القول أسدّ لأن الفروق بين معاني الألفاظ من محاسن اللغة فيكون المعنى هيَّأناه لشرب الأنعام والأناسي فكل من احتاج للشرب شرب منه سواء من شرب ومن لم يشرب .

و { أنعاماً } مفعول ثان ل { نسقيه } . وقوله : { مما خلقنا } حال من { أنعاماً وأناسي } . و ( مِن ) تبعيضية . و ( مَا ) موصولة ، أي بعض ما خلقناه ، والموصول للإيماء إلى علة الخبر ، أي نسقيهم لأنهم مخلوقات . ففائدة هذا الحال الإشارة إلى رحمة الله بها لأنها خلقه . وفيه إشارة إلى أن أنواعاً أخرى من الخلائق تُسقى بماء السماء ، ولكن الاقتصار على ذكر الأنعام والأناسي لأنهما موقع المنة ، فالأنعام بها صلاح حال البَادين بألبانها وأصوافها وأشعارها ولُحومها ، وهي تشرب من مياه المطر من الأحواض والغدران .

والأناسيّ : جمع إنسيّ ، وهو مرادف إنسان . فالياء فيه ليست للنسب . وجُمع على فَعالِيّ مثل كُرسي وكَراسِي .

ولو كانت ياؤه نَسب لَجُمع على أنَاسِيَةٍ كما قالوا : صيرفي وصيارفة . ووصف الأناسيّ ب { كثيراً } لأن بعض الأناسيّ لا يشربون من ماء السماء وهم الذين يشربون من مياه الأنهار كالنيل والفرات ، والآبار والصهاريج ، ولذلك وصف العرب بأنهم بنو ماء السماء . فالمنة أخص بهم ، قال زيادة الحارثي{[296]} :

ونحن بنو ماء السماء فلا نرى *** لأنفسنا من دون مملكةٍ قصراً{[297]}

وفي أحاديث ذكر هاجر زوج إبراهيم عليه السلام قال أبو هريرة « فتلك أمّكم يا بني ماءِ السماء » يعني العرب . وماء المطر لنقاوته التي ذكرناها صالح بأمعاء كل الناس وكل الأنعام دون بعض مياه العيون والأنهار .

ووصف أناسي وهو جمع بكثير وهو مفرد لأن فعيلاً قد يراد به المتعدد مثل رفيق وكذلك قليل قال تعالى : { واذكروا إذ كنتم قليلاً } [ الأعراف : 86 ] .

تقديم ذكر الأنعام على الأناسيّ اقتضاه نسج الكلام على طريقة الأحكام في تعقيبه بقوله : { ولقد صرفناه بينهم ليذكروا } ، ولو قدم ذكر { أناسيَّ } لتفكك النظم . ولم يقدم ذكر الناس في قوله تعالى : { متاعاً لكم ولأنعامكم } في سورة النازعات ( 33 ) لانتفاء الداعي للتقديم فجاء على أصل الترتيب .


[296]:- هو من قضاعة، إسلامي مات قتيلا في خلافة معاوية قتله هدبة بن خشرم.
[297]:- المملكة: التملك، أي العزة وهي بفتح الميم واللام، والقصر: الغاية.