السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{لِّنُحۡـِۧيَ بِهِۦ بَلۡدَةٗ مَّيۡتٗا وَنُسۡقِيَهُۥ مِمَّا خَلَقۡنَآ أَنۡعَٰمٗا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرٗا} (49)

{ لنحيي به } أي : بالماء { بلدة ميتاً } أي : بالنبات وذكر ميتاً باعتبار المكان { ونسقيه } أي : بالماء وهو من أسقاه مزيد سقاه وهما لغتان قال ابن القطاع : سقيتك شراباً وأسقيتك ، والله تعالى أسقى عباده وأرضه { مما خلقنا أنعاماً } أي : إبلاً وبقراً وغنماً { وأناسي كثيراً } جمع إنسان وأصله أناسين فأبدلت النون ياء وأدغمت فيها الياء أو جمع أنسي وقدم تعالى النبات ؛ لأن به حياة الأنعام ، والأنعام على الإنسان ؛ لأن بها كمال حياته فإن قيل : لما خص الأنعام من بين ما خلق من الحيوان ؟ أجيب : بأن الطير والوحش تبعد في طلب الماء فلا يعوزها الشرب بخلاف الأنعام ولأنها قنية الأناسي وعامة منافعهم متعلقة بها ، فكان الإنعام عليهم بسقي أنعامهم كالإنعام بسقيهم .

فإن قيل : لما نكر الأنعام والأناسي ووصفها بالكثرة ؟ أجيب : بأن جل الناس منيخون بالقرب من الأودية والأنهار ومنابع الماء فبهم غنية عن سقي السماء وأعقابهم ، وهم كثير منهم لا يعيشون إلا بما ينزل الله من رحمته وسقيا سمائه ، وكذلك قوله تعالى : { لنحيي به بلدة ميتاً } ( الفرقان ، 49 ) يريد به بعض بلاد هؤلاء المتبعدين عن مظان الماء ،