المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{لَقَدِ ٱبۡتَغَوُاْ ٱلۡفِتۡنَةَ مِن قَبۡلُ وَقَلَّبُواْ لَكَ ٱلۡأُمُورَ حَتَّىٰ جَآءَ ٱلۡحَقُّ وَظَهَرَ أَمۡرُ ٱللَّهِ وَهُمۡ كَٰرِهُونَ} (48)

48- وقد سبق أن سعى هؤلاء المنافقون بالفتنة فيما بينكم ، ودبروا لك - أيها الرسول - المكايد ، فأحبط الله تدبيرهم ، وحقق نصرك ، وأظهر دينه على الرغم منهم .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{لَقَدِ ٱبۡتَغَوُاْ ٱلۡفِتۡنَةَ مِن قَبۡلُ وَقَلَّبُواْ لَكَ ٱلۡأُمُورَ حَتَّىٰ جَآءَ ٱلۡحَقُّ وَظَهَرَ أَمۡرُ ٱللَّهِ وَهُمۡ كَٰرِهُونَ} (48)

ثم ذكر الله تعالى - نبيه - صلى الله عليه وسلم - بطرف من الماضى لهؤلاء المنافقين فقال : { لَقَدِ ابتغوا الفتنة مِن قَبْلُ وَقَلَّبُواْ لَكَ الأمور حتى جَآءَ الحق وَظَهَرَ أَمْرُ الله وَهُمْ كَارِهُونَ } .

أى : لقد ابتغى هؤلاء المنافقون إيقاع الشرور والمفاسد في صفوف المسلمين ، من قبل ما حدث منهم في غزوة تبوك .

ومن مظاهر ذلك أنهم ساءهم انتصاركم في غزوة بدر ، وامتنعوا عن مناصرتكم في غزوة أحد ، مبتعين في ذلك زعيمهم عبد الله بن أبى بن سلول ، ثم واصلوا حربهم لكم سراً وجهراً حتى كانت غزوة تبوك التي فضح الله فيها أحوالهم .

فالمراد بقوله : { مِن قَبْلُ } أى : من قبل هذه الغزووة التي كانت آخر غزوة غزاها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

أى أن ما صدر عن هؤلاء المنافقين من مسالك خبثة خلال غزوة تبوك ليس هو الأول من نوعه ، بل هم لهم في هذا المضمار تاريخ مظلم بدأ منذ أوائل عهد الدعوة الإِسلامية بالمدينة .

وقوله : { وَقَلَّبُواْ لَكَ الأمور } بيان لتفننهم في وجوه الأذى للنبى - صلى الله عليه وسلم - وتقليب الأمر : تصريفه ، وترديده ، وإجالة الرأى فيه ، والنظر إليه من كل نواحيه : لمعرفة أى ناحية منه توصل إلى الهدف المنشود .

والمراد أن هؤلاء المنافقين قد ابتغوا الأذى للدعوة الإِسلامية من قبل هذه الغزوة ، ودبروا لصاحبها - صلى الله عليه وسلم - المكايد ، واستعملوا قصارى جهدهم ، ومنهى اجتهادهم ، وخلاصة مكرهم ، من أجل صد الناس عن الحق الذي جاء به محمد - صلى الله عليه وسلم - .

وقوله : { حتى جَآءَ الحق وَظَهَرَ أَمْرُ الله } غاية لمحذوف ، والتقدير : أن هؤلاء المنافقين استمروا على حربهم للدعوة الإِسلامية { حتى جَآءَ الحق } أى : النصر الذي وعد الله عباده به { وَظَهَرَ أَمْرُ الله } أى : دينه وشرعه " وهم " أى المنافقون وأشباههم " كارهون " لذلك ؛ لأنهم يكرهون انتصار دين الإِسلام ، ويحبون هزيمته وخذلانه ، ولكن الله - تعالى - خيب آمالهم ، وأحبط مكرهم .

قال الإِمام ابن كثير : عندما قدم النبى - صلى الله عليه وسلم - المدينة ، رمته العرب عن قوس واحدة ، وحاربته يهود المدينة ومنافقوها ، فلما نصره الله يوم بدر وأعلى كلمته ، قال عبد الله بن أبى ، واصحابه : هذا أمر قد توجه ، فدخلوا في الإِسلام ظاهراً ، ثم كلما أعز الله الإِسلام وأهله غاظهم وساءهم ، ولهذا قال - تعالى - : { حتى جَآءَ الحق وَظَهَرَ أَمْرُ الله وَهُمْ كَارِهُونَ } .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{لَقَدِ ٱبۡتَغَوُاْ ٱلۡفِتۡنَةَ مِن قَبۡلُ وَقَلَّبُواْ لَكَ ٱلۡأُمُورَ حَتَّىٰ جَآءَ ٱلۡحَقُّ وَظَهَرَ أَمۡرُ ٱللَّهِ وَهُمۡ كَٰرِهُونَ} (48)

في هذه الآية تحقير شأنهم ، وذلك أنه أخبر أنهم قد لما سعوا على الإسلام فأبطل الله سعيهم ، ومعنى قوله : { من قبل } ما كان من حالهم من وقت هجرة رسول الله صلى الله عليه سلم ورجوعهم عنه في أحد وغيرها ، ومعنى { وقلبوا لك الأمور } دبروها ظهراً لبطن ونظروا في نواحيها وأقسامها وسعوا بكل حيلة ، وقرأ مسلمة بن محارب «وقلَبوا لك » بالتخفيف في اللام ، و { أمر الله } الإسلام ودعوته .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{لَقَدِ ٱبۡتَغَوُاْ ٱلۡفِتۡنَةَ مِن قَبۡلُ وَقَلَّبُواْ لَكَ ٱلۡأُمُورَ حَتَّىٰ جَآءَ ٱلۡحَقُّ وَظَهَرَ أَمۡرُ ٱللَّهِ وَهُمۡ كَٰرِهُونَ} (48)

الجملة تعليل لقوله : { يبغونكم الفتنة } [ التوبة : 47 ] لأنّها دليل بأنّ ذلك ديدن لهم من قبل ، إذ ابتغوا الفتنة للمسلمين وذلك يومَ أحد إذ انخزل عبد الله بن أبي ابنُ سلول ومن معه من المنافقين بعد أن وصلوا إلى أحد ، وكانوا ثُلث الجيش قصدوا إلقاء الخوف في نفوس المسلمين حين يرون انخزال بعض جيشهم وقال ابن جريج : الذين ابتغوا الفتنة اثنا عشر رجلاً من المنافقين ، وقفوا على ثنية الوداع ليلة العقبة ليفتِكوا بالنبي صلى الله عليه وسلم .

و { قلّبوا } بتشديد اللام مضاعف قلب المخفف ، والمضاعفة للدلالة على قوة الفعل . فيجوز أن يكون من قلَب الشيء إذا تأمل باطنه وظاهره ليطّلع على دقائق صفاته فتكون المبالغة راجعة إلى الكمّ أي كثرة التقليب ، أي ترددوا آراءهم وأعملوا المكائد والحيل للإضرار بالنبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين .

ويجوز أن يكون { قلبوا } من قلب بمعنى فتّش وبحث ، استعير التقليب للبحث والتفتيش لمشابهة التفتيش للتقليب في الإحاطة بحال الشيء كقوله تعالى : { فأصبح يقلب كفيه } [ الكهف : 42 ] فيكون المعنى ، أنّهم بحثوا وتجسَّسوا للاطّلاع على شأن المسلمين وإخبار العدوّ به .

واللام في قوله : { لك } على هذين الوجهين لام العلّة ، أي لأجلك وهو مجمل يبيّنهُ قوله : { لقد ابتغوا الفتنة من قبل } [ التوبة : 48 ] . فالمعنى اتّبعوا فتنة تظهر منك ، أي في أحوالك وفي أحوال المسلمين .

ويجوز أن يكون { قلبوا } مبالغة في قَلَب الأمر إذا أخفى ما كان ظاهراً منه وأبدَى ما كان خفيّاً ، كقولهم : قَلب له ظهر المِجَن . وتعديته باللام في قوله { لك } ظاهرة .

و { الأمور } جمع أمر ، وهو اسم مبهم مثل شيء كما في قول الموصلي :

ولكن مقاديرٌ جرتْ وأمور

والألف واللام فيه للجنس ، أي أموراً تعرفون بعضها ولا تعرفون بعضاً .

و { حتى } غاية لتقليبهم الأمور .

ومجِيء الحقّ حصوله واستقراره والمراد بذلك زوال ضعف المسلمين وانكشاف أمر المنافقين .

والمراد بظهور أمر الله نصر المسلمين بفتح مكة ودخول الناس في الدين أفواجاً وذلك يكرهه المنافقون .

الظهور والغلبة والنصر .

و { أمر الله } دينه ، أي فلمّا جاء الحقّ وظهر أمر الله علموا أنّ فتنتهم لا تضرّ المسلمين ، فلذلك لم يروا فائدة في الخروج معهم إلى غزوة تبوك فاعتذروا عن الخروج من أول الأمر .