المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَفِيٓ أَمۡوَٰلِهِمۡ حَقّٞ لِّلسَّآئِلِ وَٱلۡمَحۡرُومِ} (19)

19- وفي أموالهم نصيب ثابت للمحتاجين ، السائلين منهم والمحرومين المتعففين .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَفِيٓ أَمۡوَٰلِهِمۡ حَقّٞ لِّلسَّآئِلِ وَٱلۡمَحۡرُومِ} (19)

ثم مدحهم - سبحانه - للمرة الثالثة فقال : { وفي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لَّلسَّآئِلِ والمحروم } .

والسائل : هو من يسأل غيره العون والمساعدة . والمحروم : هو المتعفف عن السؤال مع أنه لا مال له لحرمان أصابه ، بسبب مصيبة نزلت به ، أو فقر كان فيه . . . أو ما يشبه ذلك .

قال ابن جرير بعد أن ذكر جملة من الأقوال فى المراد من المحروم هنا . والصواب من القول فى ذلك عندى : أنه الذى قد حرم الرزق واحتاج ، وقد يكون ذلك بذهاب ماله وثمره فصار ممن حرمه الله .

وقد يكون بسبب تعففه وتركه المسألة . وقد يكون بأنه لا سهم له فى الغنيمة لغيبته عن الواقعة .

أى : أنهم بجانب قيامهم الليل طاعة لله - تعالى - واستغفارا لذنوبهم . . . يوجبون على أنفسهم فى أموالهم حقا للسائل والمحروم ، تقربا إلى الله - سبحانه - بمقتضى ما جبلوا عليه من كرم وسخاء .

فالمراد بالحق هنا : ما يقدمونه من أموال للمحتاجين على سبيل التطوع وليس المراد به الزكاة المفروضة ، لأن السورة مكية والزكاة إنما فرضت فى السنة الثانية من الهجرة .

قال الآلوسى : { وفي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ } هو غير الزكاة كما قال ابن عباس ومجاهد وغيرهما .

وقال منذر بن سعيد : هذا الحق هو الزكاة المفروضة ، وتعقب بأن السورة مكية . وفرض الزكاة بالمدينة . وقيل : أصل فريضة الزكاة كان بمكة والذى كان بالمدينة القدر المعروف اليوم . . . . والجمهور على الأول .

والمتأمل فى هذه الآيات الكريمة يرى أن هؤلاء المتقين ، قد مدحهم الله - تعالى - هذا المدح العظيم ، لأنهم عرفوا حق الله عليهم فأدوه بإحسان وإخلاص ، وعرفوا حق الناس عليهم فقدموه بكرم وسخاء .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَفِيٓ أَمۡوَٰلِهِمۡ حَقّٞ لِّلسَّآئِلِ وَٱلۡمَحۡرُومِ} (19)

{ وفي أموالهم حق } نصيب يستوجبونه على أنفسهم تقربا إلى الله وإشفاقا على الناس . { للسائل والمحروم } للمستجدي والمتعفف الذي يظن غنيا فيحرم الصدقة .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَفِيٓ أَمۡوَٰلِهِمۡ حَقّٞ لِّلسَّآئِلِ وَٱلۡمَحۡرُومِ} (19)

وقوله تعالى : { وفي أموالهم حق } الصحيح أنها محكمة ، وأن هذا الحق هو على وجه الندب ، لا على وجه الفرض ، و : { معلوم }{[10592]} يراد به متعارف ، وكذلك قيام الليل الذي مدح به ليس من الفرائض ، وأكثر ما تقع الفريضة بفعل المندوبات ، وقال منذر بن سعيد : هي الزكاة المفروضة وهذا ضعيف ، لأن السورة مكية وفرض الزكاة بالمدينة . وقال قوم من المتأولين : كان هذا ثم نسخ بالزكاة ، وهذا غير قوي وما شرع الله عز وجل بمكة قبل الهجرة شيئاً من أخذ الأموال .

واختلف الناس في { المحروم } اختلافاً ، هو عندي تخليط من المتأخرين ، إذ المعنى واحد ، وإنما عبرعلماء السلف في ذلك بعبارات على جهة المثالات فجعلها المتأخرون أقوالاً وحصرها مكي ثمانية .

و : { المحروم } هو الذي تبعد عنه ممكنات الرزق بعد قربها منه فيناله حرمان وفاقة ، وهو مع ذلك لا يسأل ، فهذا هو الذي له حق في أموال الأغنياء كما للسائل حق ، قال الشعبي : أعياني أن أعلم ما { المحروم } ؟ وقال ابن عباس : { المحروم } : المعارف الذي ليس له في الإسلام سهم مال ، فهو ذو الحرفة المحدود . وقال أبو قلابة : جاء سيل باليمامة فذهب بمال رجل ، فقال رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : هذا { المحروم } . وقال زيد بن أسلم : هو الذي أجيحت ثمرته من المحرومين .

وقال غيره : هو الذي ماتت ماشيته ، وقال عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه : هو الكلب .

قال القاضي أبو محمد رحمه الله :

وقد يكون الكلب محروما في بعض الأوقات والحالات ، ألا ترى إلى الذي كان يأكل الثرى من العطش . . . الحديث{[10593]} ؛ إلى غير هذا من الأقوال التي إنما ذكرت مثالا ، كأنه يقول : الذي أصيبت ثمرته من المحرومين .

والمعنى الجامع لهذه الأقوال أنه الذي لا مال له لحرمان أصابه ، وإلا فالذي أجيحت ثمرته وله مال كثير غيرها فليس في هذه الآية بإجماع ، وبعد هذا مقدر من الكلام تقديره : فكونوا مثلهم أيها الناس وعلى طريقتهم فإن النظر المؤدي إلى ذلك متوجه ، ف { في الأرض آيات } لمن اعتبر وأيقن .


[10592]:لم ترد كلمة[معلوم] في هذه الآية، ولكنه يشير إلى ما ورد في الآيتين(24، 25) من سورة (المعارج)، فقد قال الله تعالى:{والذين في أموالهم حق معلوم، للسائل والمحروم}.
[10593]:يشير الحديث المعروف الذي أخرجه البخاري في الشرب والمظالم والأدب، ومسلم في السلام، وأبو داود في الجهاد، ومالك في صفة النبي صلى الله عليه وسلم، وأحمد في مسنده(2-375)، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(بينما رجل يمشي وهو بطريق إذ اشتد عليه العطش، فوجد بئرا فنزل فيها فشرب، ثم خرج فإذا كلب يلهث يأكل الثرى من العطش. فقال: لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي بلغني، فنزل فملأ خفه ماء ثم أمسكه بفيه حتى رقي به فسقى الكلب فشكر الله له فغفر له)، قالوا: يا رسول الله، وإن لنا في البهائم لأجرا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(في كل ذات كبد رطبة أجر).
 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{وَفِيٓ أَمۡوَٰلِهِمۡ حَقّٞ لِّلسَّآئِلِ وَٱلۡمَحۡرُومِ} (19)

تفسير الإمام مالك 179 هـ :

- روى ابن وهب عن مالك أنه قال: المحروم: الفقير الذي يحرم الرزق...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

وقوله:"وفِي أمْوَالِهِمْ حَقّ للسّائِلِ والمَحْرُومِ "يقول تعالى ذكره: وفي أموال هؤلاء المحسنين الذين وصف صفتهم حقّ لسائلهم المحتاج إلى ما في أيديهم والمحروم. وبنحو الذي قلنا في معنى السائل، قال أهل التأويل، وهم في معنى المحروم مختلفون؛ فمن قائل: هو المحارَف الذي ليس له في الإسلام سهم... [عن الضحاك] في قوله: "وَالمَحْرُومِ": هو الرجل المحارف الذي لا يكون له مال إلا ذهب، قضى الله له ذلك...

عن قتادة، قوله: "وفي أمْوَالِهمْ حَقّ للسَائل وَالمَحْرُومِ" هذان فقيرا أهل الإسلام، سائل يسأل في كفّه، وفقير متعفّف، ولكليهما عليك حقّ يا ابن آدم...

وقائل: هو الذي لا سهم له في الغنيمة...

عن حصين، قال: سألت عكرِمة، عن السائل والمحروم؟ قال: السائل: الذي يسألك، والمحروم: الذي لا ينمى له مال.

وقائل: هو الذي قد ذهب ثمره وزرعه... قال زيد بن أسلم في قوله: "وَفِي أمْوَالِهِمْ حَقّ للسّائِلِ وَالمَحْرُومِ" قال:... والمحروم: الذي يُصاب زرعه أو ثمره أو نسل ماشيته، فيكون له حقّ على من لم يصبه ذلك من المسلمين، كما قال لأصحاب الجنة حين أهلك جنتهم "قالُوا بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ" وقال أيضا: "لَوْ نَشاءُ لجَعَلْناهُ حُطاما فَظَلْتُمْ تَفَكّهُونَ إنّا لَمُغْرَمُونَ بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ"...

والصواب من القول في ذلك عندي أنه الذي قد حُرم الرزق واحتاج، وقد يكون ذلك بذهاب ماله وثمره، فصار ممن حرمه الله ذلك، وقد يكون بسبب تعففه وتركه المسألة، ويكون بأنه لا سهم له في الغنيمة لغيبته عن الوقعة، فلا قول في ذلك أولى بالصواب من أن تعمّ.

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

وقوله تعالى: {وفي أموالهم حق} الصحيح أنها محكمة، وأن هذا الحق هو على وجه الندب، لا على وجه الفرض، و: {معلوم} يراد به متعارف، وكذلك قيام الليل الذي مدح به ليس من الفرائض، وأكثر ما تقع الفريضة بفعل المندوبات، وقال منذر بن سعيد: هي الزكاة المفروضة، وهذا ضعيف، لأن السورة مكية وفرض الزكاة بالمدينة. وقال قوم من المتأولين: كان هذا ثم نسخ بالزكاة، وهذا غير قوي، وما شرع الله عز وجل بمكة قبل الهجرة شيئاً من أخذ الأموال.

واختلف الناس في {المحروم} اختلافاً، هو عندي تخليط من المتأخرين، إذ المعنى واحد، وإنما عبر علماء السلف في ذلك بعبارات على جهة المثالات فجعلها المتأخرون أقوالاً وحصرها مكي ثمانية.

و: {المحروم} هو الذي تبعد عنه ممكنات الرزق بعد قربها منه فيناله حرمان وفاقة، وهو مع ذلك لا يسأل، فهذا هو الذي له حق في أموال الأغنياء كما للسائل حق...

والمعنى الجامع لهذه الأقوال أنه الذي لا مال له لحرمان أصابه، وإلا فالذي أجيحت ثمرته وله مال كثير غيرها فليس في هذه الآية بإجماع، وبعد هذا مقدر من الكلام تقديره: فكونوا مثلهم أيها الناس وعلى طريقتهم، فإن النظر المؤدي إلى ذلك متوجه، ف {في الأرض آيات} لمن اعتبر وأيقن.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

وهذه حالهم مع ربهم، فأما حالهم مع الناس، وحالهم مع المال، فهو مما يليق بالمحسنين:

(وفي أموالهم حق للسائل والمحروم)..

فهم يجعلون نصيب السائل الذي يسأل فيعطى، ونصيب المحروم الذي يسكت ويستحيي فيحرم. يجعلون نصيب هذا وهذا حقا مفروضا في أموالهم. وهم متطوعون بفرض هذا الحق غير المحدود.

وهذه الإشارة تتناسق مع علاج السورة لموضوع الرزق والمال، لتخليص القلب من أوهاق الشح وأثقال البخل وعوائق الانشغال بالرزق. وتمهد للمقطع التالي في السورة، في الوقت الذي تكمل سمة المتقين وصورة المحسنين.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

حق السائل والمحروم: هو النصيب الذي يعطُونه إياهما، أطلق عليه لفظ الحق، إمّا لأن الله أوجب على المسلمين الصدقة بما تيسَّر قبل أن يفرض عليهم الزكاة فإن الزكاة فرضت بعد الهجرة فصارت الصدقة حقا للسائل والمحروم، أو لأنهم ألزموا ذلك أنفسهم حتى صار كالحق للسائل والمحروم. وبذلك يتأوَّل قول من قال: إن هذا الحق هو الزكاة.

والسائل: الفقير المظهر فقره فهو يسأل الناس، والمحروم: الفقير الذي لا يُعطَى الصدقة لظن الناس أنه غير محتاج من تعففه عن إظهار الفقر، وهو الصنف الذي قال الله تعالى في شأنهم {يحسبهم الجاهلُ أغنياء من التعفّف} [البقرة: 273] وقال النبي صلى الله عليه وسلم « ليس المسكين الذي ترده اللقمة واللقمتان والأكلة والأكلتان ولكن المسكين الذي ليس له غنى ويستحيي ولا يسأل الناس إلحافاً». وإطلاق اسم المحروم ليس حقيقة لأنه لم يَسأل الناس ويحرموه ولكن لما كان مآل أمره إلى ما يؤول إليه أمر المحروم أطلق عليه لفظ المحروم تشبيهاً به في أنه لا تصل إليه ممكنات الرزق بعد قربها منه فكأنه ناله حرمان.

والمقصود من هذه الاستعارة ترقيق النفوس عليه وحثّ الناس على البحث عنه ليضعوا صدقاتهم في موضع يحب الله وضعها فيه ونظيرها في سورة المعارج. قال ابن عطية: واختلف الناس في {المحروم} اختلافاً هو عندي تخليط من المتأخرين إذ المعنى واحد عبر علماء السلف في ذلك بعبارات على جهة المثالات فجعلها المتأخرون أقوالاً. قلت ذكر القرطبي أحد عشر قولاً كلها أمثلة لمعنى الحرمان، وهي متفاوتة في القرب من سياق الآية فما صلح منها لأن يكون مثالاً للغرض قُبل وما لم يصلح فهو مردود، مثل تفسير من فسر المحروم بالكلب. وفي « تفسير ابن عطية» عن الشعبي: أعياني أن أعلم ما المحروم. وزاد القرطبي في رواية عن الشعبي قال: لي اليوم سبعون سنة منذ احتملت أسأل عن المحروم فما أنا اليوم بأعلم مني فيه يومئذٍ.