وقوله : { فاتخذت مِن دُونِهِم حِجَاباً } تأكيد لانتباذها من أهلها ، واعتزالها إياهم .
أى : اذكر وقت أن اعتزلت أهلها . فى مكان يلى شرق بيت المقدس ، فاتخذت بينها وبينهم حجابا وساتراً للتفرغ لعبادة ربها .
ثم بين - سبحانه - ما أكرمها به فى حال خلوتها فقال : { فَأَرْسَلْنَآ إِلَيْهَآ رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَراً سَوِيّاً } .
أى : فأرسلنا إليها روحنا وهو جبريل - عليه السلام - فتشبه لها فى صورة بشر سوى معتدل الهيئة ، كامل البنية ، كأحسن ما يكون الإنسان .
يقال : رجل سوى ، إذا كان تام الخلقة عظيم الخلق ، لا يعيبه فى شأن من شئونه إفراد أو تفريط .
والإضافة فى قوله { رُوحَنَا } للتشريف والتكريم ، وسمى جبريل - عليه السلام - روحاً لمشابهة الروح الحقيقية فى أن كلا منهما مادة الحياة للبشر .
فجبريل من حيث ما يحمل من الرسالة ألإلهية تحيا ب القلوب ، والروح تحيا به الأجسام .
وإنما تمثل لها جبريل - عليه السلام - فى صورة بشرى سوى ، لتستأنس بكلامه ، وتتلقى منه ما يلقى إليها من كلماته ، ولو بدا لها فى صورته التى خلقه الله - تعالى - عليها . لنفرت منه ، ولم تستطع مكالمته .
وقوله : { بَشَراً سَوِيّاً } حالان من ضمير الفاعل فى قوله { فَتَمَثَّلَ لَهَا } .
وقوله : { فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا } أي : استترت منهم وتوارت ، فأرسل الله تعالى إليها جبريل عليه السلام { فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا } أي : على صورة إنسان تام كامل .
قال مجاهد ، والضحاك ، وقتادة ، وابن جُرَيْج{[18731]} ووهب بن مُنَبِّه ، والسُّدِّي ، في قوله : { فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا } يعني : جبريل ، عليه السلام .
وهذا الذي قالوه هو ظاهر القرآن فإنه تعالى قد قال في الآية الأخرى : { نزلَ بِهِ الرُّوحُ الأمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ } [ الشعراء : 193 ، 194 ] .
وقال أبو جعفر الرازي{[18732]} ، عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية ، عن أبي بن كعب قال : إن روح عيسى ، عليه السلام ، من جملة الأرواح التي أخذ عليها العهد في زمان آدم ، وهو الذي تمثل لها بشرا سويًّا ، أي : روح عيسى ، فحملت الذي خاطبها وحل في فيها .
اتخاذ الحجاب : جعل شيء يَحجب عن الناس . قيل : إنها احتجبت لتغتسل وقيل لتمتشط .
والروح : الملك ، لأن تعليق الإرسال به وإضافته إلى ضمير الجلالة دلاَّ على أنه من الملائكة وقد تمثل لها بشراً .
والتمثل : تكلف المماثلة ، أي أن ذلك الشكل ليس شكل الملك بالأصالة .
و { بَشَرَاً } حال من ضمير ( تمثل ) ، وهو حال على معنى التشبيه البليغ .
والبشر : الإنسان . قال تعالى : { إني خالق بشراً من طين } [ ص : 71 ] ، أي خالق آدم عليه السلام .
والسويُّ : المُسَوّى ، أي التام الخلق . وإنما تمثل لها كذلك للتناسب بين كمال الحقيقة وكمال الصورة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.