7- يخرج هذا الماء من بين الصلب وعظام الصدر من الرجل والمرأة{[230]} .
{ يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصلب والترآئب } أى : يخرج هذا الماء الدافق ، من بين صلب كل واحد منهما ، وترائب كل منهما . أى : أن أعضاء وقوى كل منهما ، تتعاون فى تكوين ما هو مبدأ لتوالد الإِنسان : ماء الرجل وهو المنى ، ومادة المرأة وهى البويضة المصحوبة بالسائل ، المنصبان بدفع وسيلان سريع إلى الرحم عند الاتصال الجنسى . ويسمى الفقهاء هذه المادة منيا وماء . .
وقال فضيلة الشيخ ابن عاشور : وأطنب - سبحانه - فى وصف هذا الماء الدافق ، لإِدماج التعليم والعبرة بدقائق التكوين ، ليستيقظ الجاهل الكافر ، ويزداد المؤمن علما ويقينا .
ووصف بأنه { يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصلب والترآئب } ، لأن الناس لا يتفطنون لذلك . . وهذا من الإِعجاز العلمى فى القرآن ، الذى لم يكن علم به للذين نزل بينهم ، وهو إشارة مجملة ، وقد بينها حديث مسلم عن أم سلمة وعائشة : " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن احتلام المرأة فقال : " تغتسل إذا أبصرت الماء . فقيل له : أترى المرأة ذلك ؟ فقال : وهل يكون الشبه إلا من قِبَل ذلك ، إذا علا ماءُ المرأة ماءَ الرجل ، أشبه الولد أخواله ، وإذا علا ماءُ الرجل ماءها ، أشبه عمامه " " .
وقال صاحب الظلال : ولقد كان هذا سرا مكنونا فى علم الله لا يعلمه البشر ، حتى كان نصف القرن الأخير ، حيث اطعل العلم الحديث على هذه الحقيقة بطريقته ، وعرف أنه فى عظام الظهر الفقارية ، يتكون ماء الرجل . وفى عظام الصدر العلوية يتكون ماء المرأة ، حيث يلتقيان فى قرار مكين . فينشأ منهما الإِنسان . .
يعني : صلب الرجل وترائب المرأة ، وهو صدرها .
قال شبيب بن بشر ، عن عِكْرِمة ، عن ابن عباس : { يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ } صلب الرجل وترائب المرأة ، أصفر رقيق ، لا يكون الولد إلا منهما . وكذا قال سعيد بن جُبَير ، وعكرمة ، وقتادة والسُّدِّي ، وغيرهم .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد الأشج ، حدثنا أبو أسامة ، عن مِسْعَر : سمعت الحكم ذكر عن ابن عباس : { يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ } قال : هذه الترائب . ووضع يده على صدره .
وقال الضحاك وعطية ، عن ابن عباس : تَريبة المرأة موضُع القلادة . وكذا قال عكرمة ، وسعيد بن جُبَير . وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : الترائب : بين ثدييها .
وعن مجاهد : الترائب ما بين المنكبين إلى الصدر . وعنه أيضا : الترائب أسفل من التراقي . وقال سفيان الثوري : فوق الثديين . وعن سعيد بن جُبَير : الترائب أربعة أضلاع من هذا الجانب الأسفل .
وعن الضحاك : الترائب بين الثديين والرجلين والعينين .
وقال الليث بن سعد عن مَعْمَر بن أبي حبيبة{[29953]} المدني : أنه بلغه في قول الله عز وجل : { يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ } قال : هو عصارة القلب ، من هناك يكون الولد .
وعن قتادة : { يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ } من بين صلبه ونحره .
وقوله : يَخْرُجُ مِنْ بَينِ الصّلْبِ والتّرَائِبِ يقول : يخرج من بين ذلك ، ومعنى الكلام منهما ، كما يقال : سيخرج من بين هذين الشيئين خير كثير ، بمعنى : يخرج منهما .
واختلف أهل التأويل في معنى الترائب وموضعها ، فقال بعضهم : الترائب : موضع القِلادة من صدر المرأة . ذكر من قال ذلك :
حدثني عبد الرحمن بن الأسود الطّفاويّ ، قال : حدثنا محمد بن ربيعة ، عن سَلَمة بن سابور ، عن عطية العَوْفيّ ، عن ابن عباس الصّلْبِ والتّرَائِبِ قال : الترائب : موضع القِلادة .
حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : يَخْرُجُ مِنْ بَينِ الصّلْبِ والترائِبِ يقول : من بين ثدي المرأة .
حدثني يعقوب ، قال : حدثنا ابن عُلَية ، عن أبي رجاء ، قال : سُئل عكرِمة عن الترائب ، فقال : هذه ، ووضع يده على صدره بين ثدييه .
حدثني ابن المثنى ، قال : ثني سلم بن قتيبة ، قال : ثني عبد الله بن النّعمان الحُدَانيّ أنه سمع عكرِمة يقول : يَخْرُجُ مِنْ بَين الصّلْبِ والتّرَائِبِ قال : صُلْب الرجل ، وترائب المرأة .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا ابن يمان ، عن شريك ، عن عطاء ، عن سعيد بن جُبير ، قال : الترائب : الصدر .
قال : ثنا ابن يمان ، عن مِسْعر ، عن الحكم ، عن أبي عياض ، قال : التّرَائِبِ : الصدر .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : يَخْرُجُ مِنْ بَينَ الصّلْبِ والتّرائِبِ قال : الترائب : الصدر ، وهذا الصلب ، وأشار إلى ظهره .
وقال آخرون : الترائب : ما بين المَنْكِبين والصدر . ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا ابن يمان ، عن إسرائيل ، عن ثَوَير ، عن مجاهد ، قوله : التّرَائِبِ ما بين المنكبين والصدر .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحرث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : التّرَائِبِ قال : أسفل من التراقي .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، قال : الصّلْب للرجل ، والترائب للمرأة ، والترائب فوق الثديين .
وقال آخرون : هو اليدان والرجلان والعينان . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : يَخْرُجُ مِنْ بَينِ الصّلْبِ والتّرَائِبِ قال : فالترائب أطراف الرجل واليدان والرجلان والعينان ، فتلك الترائب .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن أبي رَوْق ، عن الضحاك يَخْرُجُ مِنْ بَينِ الصّلْبِ والتّرَائِبِ قال : الترائب : اليدان والرجلان .
قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، قال : قال غيره : الترائب : ماء المرأة وصلب الرجل .
حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : حدثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : يَخْرُجُ مِنْ بَين الصّلْبِ والتّرَائِبِ : عيناه ويداه ورجلاه .
وقال آخرون : معنى ذلك ، أنه يخرج من بين صلب الرجل ونحره . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : يَخْرُجُ مِنْ بَين الصّلْبِ وَالتّرَائِبِ يقول : يخرج من بين صُلْب الرجل ونحره .
وقال آخرون : هي الأضلاع التي أسفل الصلب . ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا ابن يمان ، عن أشعث ، عن جعفر ، عن سعيد ، في قوله : يَخْرُجُ مِنْ بَين الصّلْب والتّرَائِبِ قال : الترائب : الأضلاع التي أسفل الصلب .
وقال آخرون : هي عصارة القلب . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن إسحاق ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني الليث أن معمر بن أبي حَبِيبة المَدِيني حدّثه ، أنه بلغه في قول الله : يَخْرُجُ مِنْ بَين الصّلْب والتّرَائِبِ قال : هو عُصارة القلب ، ومنه يكون الولد .
والصواب من القول في ذلك عندنا : قول من قال : هو موضع القِلادة من المرأة ، حيث تقع عليه من صدرها ، لأن ذلك هو المعروف في كلام العرب ، وبه جاءت أشعارهم ، قال المثقّب العبدي :
ومِنْ ذَهَبٍ يُسَنّ على تَرِيب *** كَلَوْنِ العاج ليسَ بذي غُضُونِ
والزّعْفَرَانُ عَلى تَرَائِبِهَا *** شَرِقا بِهِ اللّبّاتُ والنّحْرُ
وقوله تعالى : { يخرج من بين الصلب والترائب } ، قال قتادة والحسن وغيره : معناه من بين صلب كل واحد من الرجل والمرأة وترائبه ، وقال سفيان وقتادة أيضاً وجماعة : من بين صلب الرجل وترائب المرأة ، والضمير في { يخرج } يحتمل أن يكون للإنسان ، ويحتمل أن يكون للماء ، وقرأ الجمهور : «الصلب » ، وقرأ أهل مكة وعيسى : «الصلُب » بضم اللام على الجميع ، والتريبة من الإنسان : ما بين الترقوة إلى الثدي ، وقال أبو عبيدة ، معلق الحلي على الصدر ، وجمع ذلك : ترائب ومنه قول الشاعر [ المثقب العبدي ] : [ الوافر ]
ومن ذهب يسن على تريب . . . كلوان العاج ليس بذي غضون{[11737]}
ترائبها مصقولة كالسجنجل{[11738]} . . . فجمع التريبة وما حولها فجعل ذلك ترائب ، وقال مكي عن ابن عباس : إن الترب أطراف المرء ورجلاه ويداه وعيناه ، وقال معمر : { الترائب } ، جمع تربية ، وهي عصارة القلب ، ومنه يكون الولد ، وفي هذه الأقوال تحكم على اللغة ، وقال ابن عباس : { الترائب } موضع القلادة ، وقال أيضاً : هي ما بين ثدي المرأة ، وقال ابن جبير : هي أضلاع الرجل التي أسفل الصلب ، وقال مجاهد : هي الصدر ، وقال هي التراقي ، وقيل هي ما بين المنكبين والصدر .