اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{يَخۡرُجُ مِنۢ بَيۡنِ ٱلصُّلۡبِ وَٱلتَّرَآئِبِ} (7)

قوله : { يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصلب والترآئب } ، أي : هذا الماء من بين الصلب ، أي : الظَّهر وقرأ العامة : «يَخْرجُ » مبنياً للفاعل ، وابنُ أبي عبلة وابن مقسم{[59818]} : مبنياً للمفعول . وقرأ - أيضاً{[59819]} - : وأهل «مكة » : «الصُّلُبِ » بضم الصاد واللام .

وقرأ اليماني{[59820]} : بفتحها ؛ ومنه قول العجَّاج : [ الرجز ]

5163- *** فِي صَلبٍ مِثلِ العِنانِ المُؤدَمِ{[59821]} ***

[ وفيه أربع لغات : «صُلْب ، وصُلُبٌ ، وصَلَبٌ ، وصَالب ، ومنه قوله ]{[59822]} : [ المنسرح ]

5164- تُنْقَلُ من صَالَبٍ إلى رحِمٍ{[59823]}*** . . .

والترائب : جميع تريبة ، وهي موضع القلادة من عظام الصَّدر ؛ لأن الولدَ مخلوق من مائهما ؛ فماء الرجل في صلبه ، وماء المرأة في ترائبها ، وهو معنى قوله تعالى : { مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ } [ الإنسان : 2 ] ؛ وقال امرؤ القيس : [ الطويل ]

5165- مُهْفَهَفةٌ بَيْضاءُ غَيْرُ مُفاضَةٍ *** تَرَائِبُها مَصْقُولةٌ كالسَّجَنْجَلِ{[59824]}

وقال آخر : [ الكامل ]

5166- والزَّعْفرَانُ على تَرائِبهَا *** شَرِقٌ بِهِ اللّبَّاتُ والنَّحرُ{[59825]}

وقال المثقب العبديُّ : [ الوافر ]

5167- ومنْ ذَهَبٍ يَلوحُ عَلى تَريبٍ *** كَلوْنِ العَاجِ لَيْسَ لَهُ غُضُونُ{[59826]}

وقال الشاعر : [ الرجز ]

5168- *** أشْرَفَ ثَدْيَاهَا على التَّريبِ{[59827]} ***

وعن ابن عباسٍ وعكرمة : الترائب : ما بين ثدييها{[59828]} .

وقيل : التَّرائب : التراقي .

وقيل : أضلاع الرجل التي أسفل الصلب .

وحكى الزجاجُ : أن الترائب أربعة أضلاع من يمنة الصدر ، وأربعة أضلاع من يسرة الصدر .

وعن ابن عبَّاسٍ : أطراف المرء ، يداه ورجلاه وعيناه{[59829]} ، وهو قول الضحاك .

وقيل : عصارة القلب{[59830]} ، وهو قول معمر بن أبي حبيبة .

قال ابنُ عطية{[59831]} : وفي هذه الأقوال تحكم على اللغة .

وقال سعيدُ بنُ جبيرٍ : هو الجيد{[59832]} .

وقال مجاهد : ما بين المنكبين والصدر{[59833]} .

وقال القرطبيُّ{[59834]} : والمشهور من كلام العرب أنها عظام الصَّدْر والنَّحْر .

جاء في الحديث : أن الولد يخلقُ من ماء الرجل ، يخرج من صلبه العظم والعصب ، وماء المرأة التي يخرج من ترائبها اللحم والدم{[59835]} .

حكى القرطبيُّ{[59836]} : أنَّ ماء الرجل يخرج من الدِّماغ ، ثم يجتمع{[59837]} في الأنثيين ، وهذا لا يعارض : «مِنْ بَيْنِ الصُّلبِ والتَّرائبِ » ؛ لأنه إن نزل من الدِّماغ ، فإنما يمرُّ بين الصلب والترائب .

قال قتادةُ : المعنى : يخرج من صلب الرجل وترائب المرأة{[59838]} .

وحكى الفراء : أنَّ مثل هذا يأتي عن العرب ، فيكون معنى ما بين الصلب : من الصلب .

والمعنى من صلب الرجل وترائب المرأة ، ثم إنَّا نعلم أن النطفة من جميع أجزاء البدن ، ولذلك يشبه الرجل والديه كثيراً ، وهذه الحكمة في غسل جميع الجسد من خروج المني ، وأيضاً فالمكثر من الجماع يجد وجعاً في صلبه وظهره ، وليس ذلك إلا لخلو صلبه عما كان محتبساً من الماء .

قال المهدويُّ : من جعل المنيَّ يخرج من بين صلب الرجل وترائبه ، فالضمير في «يخرج » للماء ، ومن جعله من بين صلب الرجل وترائب المرأة ، فالضمير للإنسان .


[59818]:ينظر: البحر المحيط 8/449، والدر المصون 6/507.
[59819]:ينظر: المحرر الوجيز 5/465، والبحر المحيط 8/449، والدر المصون 6/507.
[59820]:السابق.
[59821]:عجز بيت وصدره: *** ريا العظام فخمة المخدم *** ينظر اللسان (صلب)، والقرطبي 19/6، والبحر 8/449، والدر المصون 6/507.
[59822]:في أ ما يلي: وتقدمت لغاته في سورة "النساء" عند قوله تعالى: {والذين من أصلابكم} وأعرفها صالب، كقول ابن عباس- رضي الله عنهما-.
[59823]:تقدم.
[59824]:ينظر ديوان امرىء القيس (115)، وشرح المعلقات للزرزني (30)، وإعراب القرآن 5/200، ومعاني القرآن وإعرابه 5/312، واللسان (ترب)، والقرطبي 20/5، والبحر 8/447، والدر المصون 6/507.
[59825]:هو للمخبل السعدي، ينظر اللسان (ترب)، والطبري 30/63، ومجمع البيان 10/714، والقرطبي 20/6، والبحر المحيط 8/447، والدر المصون 6/507.
[59826]:ينظر شعر المثقب العبدي ص (32)، والمفضليات ص 579، والطبري 30/93، وإعراب القرآن 5/199، واللسان (ترب) والقرطبي 20/6، والبحر 8/447، والدر المصون 6/507.
[59827]:ينظر ابن الشجري 2/341، والقرطبي 20/6.
[59828]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (12/534).
[59829]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (12/535).
[59830]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (12/536).
[59831]:ينظر المحرر الوجيز 5/465.
[59832]:ذكره القرطبي في "تفسيره" (20/5).
[59833]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (12/535).
[59834]:ينظر الجامع لأحكام القرآن 20/5).
[59835]:تقدم تخريجه.
[59836]:ينظر: الجامع لأحكام القرآن 20/6.
[59837]:في أ: ينزل.
[59838]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (12/535).