المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{عَلَىٰٓ أَن نُّبَدِّلَ أَمۡثَٰلَكُمۡ وَنُنشِئَكُمۡ فِي مَا لَا تَعۡلَمُونَ} (61)

60 - نحن قضينا بينكم بالموت ، وجعلنا لموتكم وقتاً معيَّناً ، وما نحن بمغلوبين على أن نبدل صوركم بغيرها ، وننشئكم في خلق وصور لا تعهدونها .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{عَلَىٰٓ أَن نُّبَدِّلَ أَمۡثَٰلَكُمۡ وَنُنشِئَكُمۡ فِي مَا لَا تَعۡلَمُونَ} (61)

وقوله - تعالى - : { على أَن نُّبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ } متعلق بقوله : { نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الموت . . } .

والمراد بتبديل أمثالهم : إيجاد قوم آخرين من ذرية أولئك الذين ماتوا .

والمعنى : نحن وحدنا الذين قدرنا بينكم الموت وحددناه على حسب مشيئتنا ونحن الذين فى قدرتنا أن نبدل من الذين ماتوا منكم أشباها لهم ، نوجدهم بقدرتنا - أيضا - كما قال - سبحانه - : { وَرَبُّكَ الغني ذُو الرحمة إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِن بَعْدِكُمْ مَّا يَشَآءُ كَمَآ أَنشَأَكُمْ مِّن ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ } ويصح أن يكون قوله - تعالى - : { قَدَّرْنَا } بمعنى قضينا وكتبنا ، ويكون قوله : { على أَن نُّبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ } متعلق بقوله { بِمَسْبُوقِينَ } ، ويكون المراد بتبديل أمثالهم . إيجاد قوم آخرين سواهم .

والمعنى : نحن الذين وحدنا كتبنا عليكم ، وقضيناه على جميع الخلق فكل نفس ذائقة الموت ، وما نحن بمغلوبين على إهلاككم ، وعلى خلق أمثالكم بدلا منكم كما قال - تعالى - : { ياأيها الناس أَنتُمُ الفقرآء إِلَى الله والله هُوَ الغني الحميد إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ وَمَا ذَلِكَ عَلَى الله بِعَزِيزٍ } وقوله - سبحانه - : { وَنُنشِئَكُمْ فِي مَا لاَ تَعْلَمُونَ } بيان للون آخر من ألوان قدرته - تعالى - .

أى : نحن لسنا بعاجزين ولا بمغلوبين . . . على أن نهلككم ونأتى بدلا منكم بغيركم . ولسنا - أيضا - بعاجزين على أن ننشئكم بعد إهلاككم فيما لا تعلمونه من الصور ، والهيئات ، والصفات .

قال صاحب الكشاف : قوله - تعالى - : { نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الموت } أى : قدرناه تقديرا ، وقسمناه عليكم قسمة الرزق على اختلاف وتفاوت كما تقتضيه مشيئتنا فاختلف أعماركم من قصير وطويل ومتوسط .

وقوله : { وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ } يقال : سبقته على الشىء إذا أعجزته عنه ، وغلبته عليه ، ولم تمكنه منه ، فمعنى قوله { وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ على أَن نُّبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ } أنا قادرون على ذلك لا تغلبوننا عليه . وأمثالكم جمع مثل - بسكون الثاء - أى : على أن نبدل منكم ومكانكم أشباهكم من الخلق { وَ } على أن { نُنشِئَكُمْ } فى خلق لا تعلمونها وما عهدتم مثلها . يعنى أنا نقدر على الأمرين جميعا : على خلق ما يماثلكم وما لا يماثلكم ، فيكف نعجز عن إعادتكم .

ويجوز أن يكون أمثالكم جمع مثل ، بفتحتين أى : على أن نبدل ونغير صفاتكم التى أنتم عليها فى خلقكم وأخلاقكم ، وننشئكم فى صفات لا تعلمونها .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{عَلَىٰٓ أَن نُّبَدِّلَ أَمۡثَٰلَكُمۡ وَنُنشِئَكُمۡ فِي مَا لَا تَعۡلَمُونَ} (61)

57

( على أن نبدل أمثالكم ) . .

لعمارة الأرض والخلافة فيها بعدكم . والله الذي قدر الموت هو الذي قدر الحياة . قدر الموت على أن ينشئ أمثال من يموتون ، حتى يأتي الأجل المضروب لهذه الحياة الدنيا . . فإذا انتهت عند الأجل الذي سماه كانت النشأة الأخرى :

وننشئكم فيما لا تعلمون . .

في ذلك العالم المغيب المجهول ، الذي لا يدري عنه البشر إلا ما يخبرهم به الله . وعندئذ تبلغ النشأة تمامها ، وتصل القافلة إلى مقرها .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{عَلَىٰٓ أَن نُّبَدِّلَ أَمۡثَٰلَكُمۡ وَنُنشِئَكُمۡ فِي مَا لَا تَعۡلَمُونَ} (61)

وقرأ جمهور القراء : «قدّرنا » بشد الدال . وقرأ كثير وحده : «قدَرنا » بتخفيفها . والمعنى فيها يحتمل أن يكون بمعنى قضينا وأثبتنا ، ويحتمل أن يكون بمعنى سوينا ، وعدلنا التقدم والتأخر ، أي جعلنا الموت رتباً ، ليس يموت العالم دفعة واحدة ، بل بترتيب لا يعدوه أحد .

وقال الطبري معنى الآية : «قدرنا بينكم الموت على أن نبدل أمثالكم » أي تموت طائفة ونبدلها بطائفة ، هكذا قرناً بعد قرن .

وقوله : { وما نحن بمسبوقين } على تبديلكم إن أردناه وإن ننشئكم بأوصاف لا يصلها عملكم ولا يحيط بها كفركم . قال الحسن : من كونكم قردة وخنازير .

قال القاضي أبو محمد : تأول الحسن هذا ، لأن الآية تنحو إلى الوعيد ، وجاءت لفظة «السبق » هنا على نحو قوله عليه السلام : «فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وصلاة قبل غروبها فافعلوا لا تفوتنكم »{[10916]} .


[10916]:أخرجه البخاري في المواقيت وفي تفسير سورة (ق) وفي التوحيد، وأبو داود في السنة، والترمذي في الجنة، وابن ماجه في المقدمة، وأحمد في مسنده(4-360، 362، 365)، ولفظه كما جاء في مسند أحمد: قال: سمعت قيس بن أبي حازم يحدث عن جرير، قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة البدر، فقال: إنكم سترون ربكم عز وجل كما ترون القمر لا تضامون في رؤيته، فإن استطعتم ألا تغلبوا على هاتين الصلاتين قبل طلوع الشمس وقبل الغروب، ثم تلا هذه الآية:{فسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب}، قال شعبة: لا أدري قال(فإن استطعتم) أو لم يقل.

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{عَلَىٰٓ أَن نُّبَدِّلَ أَمۡثَٰلَكُمۡ وَنُنشِئَكُمۡ فِي مَا لَا تَعۡلَمُونَ} (61)

ويتعلق { على أن نبدل أمثالكم } ب { مسبوقين } لأنه يقال : غلبه على كذا ، إذا حال بينه وبين نواله ، وأصله : غلبه على كذا ، أي تمكن من كذا دونه قال تعالى : { والله غالب على أمره } [ يوسف : 21 ] . ويكون الوقف على قوله : { أمثالكم } .

ويجوز أن يكون { على أن نبدل أمثالكم } في موضع الحال من ضمير { قدرنا } [ الواقعة : 60 ] ، أي قدرنا الموت على أن نحييكم فيما بعدُ إدماجاً لإِبطال قولهم : { أئذا متنا وكنا تراباً وعظاماً أإنا لمبعوثون } [ الواقعة : 47 ] فتكون ( على ) بمعنى ( مع ) وتكون حالاً مقدرة ، وهذا كقول الواعظ : « على شرط النقض رُفع البنيان ، وعلى شرط الخروج دخلتْ الأرواح للأبدان » ويكون متعلق ( مسبوقين ) محذوفاً دالاً عليه المقام ، أي ما نحن بمغلوبين فيما قدّرناه من خلقكم وإماتتكم ، ويجعل الوقف على ( مسبوقين ) .

ويفيد قوله : { نحن قدرنا بينكم الموت } الخ وراء ذلك عبرة بحال الموت بعد الحياة فإن في تقلب ذيْنك الحالين عبرة وتدبراً في عظيم قدرة الله وتصرفه فيكون من هذه الجهة وزانُه وزان قوله الآتي : { لو نشاء لجعلناه حطاماً } [ الواقعة : 65 ] وقوله : { لو نشاء جعلناه أجاجاً } [ الواقعة : 70 ] وقوله : { نحن جعلناها تذكرة ومتاعاً للمقوين } [ الواقعة : 73 ] .

ومعنى : { أن نبدل أمثالكم } : نبدل بكم أمثالكم ، أي نجعل أمثالكم بدلاً .

وفعل ( بدّل ) ينصب مفعولاً واحداً ويتعدى إلى ما هو في معنى المفعول الثاني بحرف الباء ، وهو الغالب أو ب ( مِن ) البدلية فإن مفعول ( بدّل ) صالح لأن يكون مُبدَلاً ومبدَلا منه ، وقد تقدم في سورة البقرة ( 61 ) قوله تعالى : { أتستبدلون الذي هو أدنى } وفي سورة النساء ( 2 ) عند قوله : ولا تَتَبَدّلوا الخبيث بالطّيب ، فالتقدير هنا : على أن نبدّل منكم أمثالكم ، فحذف ، متعلق نبدل } وأبقي المفعول لأن المجرور أولى بالحذف .

والأمثال : جمع مِثْل بكسر الميم وسكون المثلثة وهو النظير ، أي نخلق ذوات مماثلة لذواتكم التي كانت في الدنيا ونودع فيها أرواحكم .

وهذا يؤذن بأن الإِعادة عن عدم لا عن تفريق . وقد تردد في تعيين ذلك علماء السنة والكلام .

ويجوز أن يفيد معنى التهديد بالاستئصال ، أي لو شئنا استئصالكم لما أعجزتمونا فيكون إدماجاً للتهديد في أثناء الاستدلال ويكون من باب قوله تعالى : { إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد } [ إبراهيم : 19 ] .

{ وننشئكم } عطف على { نبدل } ، أي ما نحن بمغلوبين على إنشائكم .

وهذا العطف يحتمل أن يكون عطف مغاير بالذات فيكون إنشاؤهم شيئاً آخر غير تبديل أمثالهم ، أي نحن قادرون على الأمرين جميعاً ، فتبديل أمثالهم خلق أجساد أخرى تودع فيها الأرواح ، وأما إنشاؤهم فهو نفخ الأرواح في الأجساد الميتة الكاملة وفي الأجساد البالية بعد إعادتها بجمع متفرقها أو بإنشاء أمثالها من ذواتها مثل : عَجب الذنب ، وهذا إبطال لاستبعادهم البعث بعد استقرار صور شبهتهم الباعثة على إنكار البعث .

ويحتمل أن يكون عطف مغاير بالوصف بأن يراد من قوله : { وننشئكم في ما لا تعلمون } الإِشارة إلى كيفية التبديل إشارة على وجه الإِبهام .

وعطف بالواو دون الفاء لأنه بمفرده تصوير لقدرة الله تعالى وحكمته بعدما أفاده قوله : { أن نبدل أمثالكم } من إثبات أن الله قادر على البعث .

و { ما } من قوله : { في ما لا تعلمون } صادقة على الكيفية ، أو الهيئة التي يتكيّف بها الإنشاء ، أي في كيفية لا تعلمونها إذ لم تحيطوا علماً بخفايا الخلقة . وهذا الإجمال جامع لجميع الصور التي يفرضها الإمكان في بعث الأجساد لإيداع الأرواح .

والظرفية المستفادة من { في } ظرفية مجازية معناها قوة الملابسة الشبيهة بإحاطة الظرف بالمظروف كقوله : { فعدلك في أي صورة ما شاء ركّبك } [ الانفطار : 7 ، 8 ] .

ومعنى { لا تعلمون } : أنهم لا يعلمون تفاصيل تلك الأحوال .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{عَلَىٰٓ أَن نُّبَدِّلَ أَمۡثَٰلَكُمۡ وَنُنشِئَكُمۡ فِي مَا لَا تَعۡلَمُونَ} (61)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{على أن نبدل أمثالكم} على أن نخلق مثلكم أو أمثل منكم {وننشئكم} يعني ونخلقكم سوى خلقكم {في ما لا تعلمون} من الصورة...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

قوله:"على أنْ نُبَدّل أمْثالَكُمْ "يقول: على أنْ نُبَدّل منكم أمْثالَكَمْ بعد مهلككم فنجيء بآخرين من جنسكم.

وقوله: "وَنُنْشِئَكُمْ فِيما لا تَعْلَمُون" يقول: ونبدلكم عما تعلمون من أنفسكم فيما لا تعلمون منها من الصور...

التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :

(على أن نبدل أمثالكم) فالتبديل: جعل الشيء موضع غيره...

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

وأمثالكم جمع مثل: أي على أن نبدل منكم ومكانكم أشباهكم من الخلق، وعلى أن (ننشئكم) في خلق لا تعلمونها وما عهدتم بمثلها، يعني: أنا نقدر على الأمرين جميعاً: على خلق ما يماثلكم، وما لا يماثلكم؛ فكيف نعجز عن إعادتكم. ويجوز أن يكون {أمثالكم} جمع مثل، أي: على أن نبدّل ونغير صفاتكم التي أنتم عليها في خلقكم وأخلاقكم، وننشئكم في صفات لا تعلمونها...

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

ويتعلق {على أن نبدل أمثالكم} ب {مسبوقين} لأنه يقال: غلبه على كذا، إذا حال بينه وبين نواله، وأصله: غلبه على كذا، أي تمكن من كذا دونه... {وننشئكم في ما لا تعلمون} الإِشارة إلى كيفية التبديل إشارة على وجه الإِبهام. وعطف بالواو دون الفاء لأنه بمفرده تصوير لقدرة الله تعالى وحكمته بعدما أفاده قوله: {أن نبدل أمثالكم} من إثبات أن الله قادر على البعث. و {ما} من قوله: {في ما لا تعلمون} صادقة على الكيفية، أو الهيئة التي يتكيّف بها الإنشاء، أي في كيفية لا تعلمونها إذ لم تحيطوا علماً بخفايا الخلقة. وهذا الإجمال جامع لجميع الصور التي يفرضها الإمكان في بعث الأجساد لإيداع الأرواح. والظرفية المستفادة من {في} ظرفية مجازية معناها قوة الملابسة الشبيهة بإحاطة الظرف بالمظروف كقوله: {فعدلك في أي صورة ما شاء ركّبك} [الانفطار: 7، 8]. ومعنى {لا تعلمون}: أنهم لا يعلمون تفاصيل تلك الأحوال.

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

...جملة (وننشئكم فيما لا تعلمون) ظاهراً إشارة إلى خلق الإنسان يوم القيامة، والتي هي الهدف لحياة وفناء هذه الدنيا، إنّ الله الحكيم الذي خلق الإنسان وقدّر له الموت فطائفة يموتون وآخرين يولدون باستمرار، من البديهي أنّ له هدف. فإذا كانت الحياة الدنيا هي الهدف فالمناسب أن يكون عمر الإنسان خالداً وليس بهذا المقدار القصير المقترن مع ألوان الآلام والمشاكل. وسنّة الموت تشهد أنّ الدنيا معبّراً وليست منزلا وأنّها جسر وليست مقصداً، لأنّها لو كانت مستقرّاً ومقصداً للزم أن تدوم الحياة فيها... (وننشئكم فيما لا تعلمون) ظاهراً إشارة إلى خلق الإنسان يوم القيامة في عالم جديد وبأشكال وظروف جديدة لا ندرك أسرارها.