المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{عَلَّمَهُ ٱلۡبَيَانَ} (4)

3 - أوجد الإنسان . علمه الإبانة عما في نفسه تمييزاً له عن غيره .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{عَلَّمَهُ ٱلۡبَيَانَ} (4)

وقوله - تعالى - : { خَلَقَ الإنسان عَلَّمَهُ البيان } بيان لنعمتين أخريين من نعمه - سبحانه - . والمراد بالإنسان : جنسه ، والمراد بالبيان : الفهم والنطق والإفصاح عما يريد الإفصاح عنه بالكلام الذى أداته اللسان .

أى خلق - سبحانه - بقدرته الإنسان على أجمل صورة ، وأحسن تقويم ، ومكنه من الإفصاح عما فى نفسه عن طريق المنطق السليم ، والقول الواضح ، كما مكنه من فهم كلام غيره له ، فتميز بذلك من الأجناس الأخرى ، وصار أهلا لحمل الأمانة التى عجزت عن حملها السموات والأرض والجبال ، وأصبح مستعدات لتلقى العلوم والخلافة فى الأرض .

ورحم الله - تعالى - صاحب الكشاف ، فقد صور هذه المعانى بأسلوبه الرصين فقال : عدد الله - عز وجل - آلاءه فقدم ما هو أسبق قدما من ضربو آلائه ، وأصناف نعمائه ، وهى نعمة الدين ، وقدم من نعمة الدين ما هو فى أعلى مراتبها ، وأقصى مراقبها ، وهو إنعامه بالقرآن وتنزيله وتعليمه ، لأنه أعظم وحى الله رتبة ، وأعلاه منزلة ، وأحسنه فى أبواب الدين أثرا ، وهو سنام الكتب السماوية ، ومصداقها ، والعيار عليها .

وأخر ذكر خلق الإنسان عن ذكره ، ثم أتبعه إياه ، ليعلم أنه إنما خلقه للدين ، وليحيط علما بوحيه ، وكتبه ، وما خلق الإنسان من أجله . . ثم ذكر ما تميز به الإنسان عن سائر الحيوان من البيان ، وهو المنطق الفصيح المعرب عما فى الضمير .

ولفظ { الرحمن } مبتدأ ، وهذه الأفعال مع ضمائرها أخبار مترادفة ، وإخلاؤها من العاطف ، لمجيئها على نمط التعديد ، كما تقول : زيد أغناك بعد فقر ، أعزك بعد ذلك ، كثرك بعد قلة . . . فما تنكر من إحسانه .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{عَلَّمَهُ ٱلۡبَيَانَ} (4)

ومن ثم قدم تعليم القرآن على خلق الإنسان . فبه يتحقق في هذا الكائن معنى الإنسان .

( خلق الإنسان علمه البيان ) . .

وندع - مؤقتا - خلق الإنسان ابتداء ، فسيأتي ذكره في مكانه من السورة بعد قليل . إذ المقصود من ذكره هنا هو ما تلاه من تعليمه البيان .

إننا نرى الإنسان ينطق ويعبر ويبين ، ويتفاهم ، ويتجاوب مع الآخرين . . فننسى بطول الألفة عظمة هذه الهبة ، وضخامة هذه الخارقة ، فيردنا القرآن إليها ، ويوقظنا لتدبرها ، في مواضع شتى .

فما الإنسان ? ما أصله ? كيف يبدأ ? وكيف يعلم البيان ?

إنه هذه الخلية الواحدة التي تبدأ حياتها في الرحم . خلية ساذجة صغيرة ، ضئيلة ، مهينة . ترى بالمجهر ، ولا تكاد تبين . وهي لا تبين ! ! !

ولكن هذه الخلية ما تلبث أن تكون الجنين . الجنين المكون من ملايين الخلايا المنوعة . . عظمية . وغضروفية . وعضلية . وعصبية . وجلدية . . ومنها كذلك تتكون الجوارح والحواس ووظائفها المدهشة : السمع . البصر . الذوق . الشم . اللمس . ثم . . ثم الخارقة الكبرى والسر الأعظم : الإدراك والبيان ، والشعور والإلهام . . كله من تلك الخلية الواحدة الساذجة الصغيرة الضئيلة المهينة ، التي لا تكاد تبين ، والتي لا تبين !

كيف ? ومن أين ? من الرحمن ، وبصنع الرحمن .

فلننظر كيف يكون البيان ? : ( والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة ) . .

إن تكوين جهاز النطق وحده عجيبة لا ينقضي منها العجب . . اللسان والشفتان والفك والأسنان . والحنجرة والقصبة الهوائية والشعب والرئتان . . إنها كلها تشترك في عملية التصويت الآلية وهي حلقة في سلسلة البيان . وهي على ضخامتها لا تمثل إلا الجانب الميكانيكي الآلي في هذه العملية المعقدة ، المتعلقة بعد ذلك بالسمع والمخ والأعصاب . ثم بالعقل الذي لا نعرف عنه إلا اسمه . ولا ندري شيئا عن ماهيته وحقيقته . بل لا نكاد ندري شيئا عن عمله وطريقته !

كيف ينطق الناطق باللفظ الواحد ?

إنها عملية معقدة كثيرة المراحل والخطوات والأجهزة . مجهولة في بعض المراحل خافية حتى الآن .

إنها تبدأ شعورا بالحاجة إلى النطق بهذا اللفظ لأداء غرض معين . هذا الشعور ينتقل - لا ندري كيف - من الإدراك أو العقل أو الروح إلى أداة العمل الحسية . . المخ . . ويقال : إن المخ يصدر أمره عن طريق الأعصاب بالنطق بهذا اللفظ المطلوب . واللفظ ذاته مما علمه الله للإنسان وعرفه معناه . وهنا تطرد الرئة قدرا من الهواء المختزن فيها ، ليمر من الشعب إلى القصبة الهوائية إلى الحنجرة وحبالها الصوتية العجيبة التي لا تقاس إليها أوتار أية آلة صوتية صنعها الإنسان ، ولا جميع الآلات الصوتية المختلفة الأنغام ! فيصوت الهواء في الحنجرة صوتا تشكله حسبما يريد العقل . . عاليا أو خافتا . سريعا أو بطيئا . خشنا أو ناعما . ضخما أو رفيعا . . إلى آخر أشكال الصوت وصفاته . ومع الحنجرة اللسان والشفتان والفك والأسنان ، يمر بها هذا الصوت فيتشكل بضغوط خاصة في مخارج الحروف المختلفة . وفي اللسان خاصة يمر كل حرف بمنطقة منه ذات إيقاع معين ، يتم فيه الضغط المعين ، ليصوت الحرف بجرس معين . .

وذلك كله لفظ واحد . . ووراءه العبارة . والموضوع . والفكرة . والمشاعر السابقة واللاحقة . وكل منها عالم عجيب غريب ، ينشأ في هذا الكيان الإنساني العجيب الغريب ، بصنعة الرحمن ، وفضل الرحمن .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{عَلَّمَهُ ٱلۡبَيَانَ} (4)

يخبر تعالى عن فضله ورحمته بخلقه : أنه أنزل على عباده القرآن ويسر حفظه وفهمه على من رحمه ، فقال : { الرَّحْمَنُ . عَلَّمَ الْقُرْآنَ . خَلَقَ الإنْسَانَ . عَلَّمَهُ الْبَيَانَ } قال الحسن : يعني : النطق{[27842]} . وقال الضحاك ، وقتادة ، وغيرهما : يعني الخير والشر . وقول الحسن ها هنا أحسن وأقوى ؛ لأن السياق في تعليمه تعالى القرآن ، وهو أداء تلاوته ، وإنما يكون ذلك بتيسير النطق على الخلق وتسهيل خروج الحروف من مواضعها من الحلق واللسان والشفتين ، على اختلاف مخارجها وأنواعها .


[27842]:- (1) في أ: "المنطق".

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{عَلَّمَهُ ٱلۡبَيَانَ} (4)

و : { البيان } النطق والفهم والإبانة عن ذلك بقول قاله ابن زيد والجمهور ، وذلك هو الذي فضل الإنسان من سائر الحيوان ، وقال قتادة : هو بيان الحلال والحرام والشرائع ، وهذا جزء من { البيان } العام ، وقال قتادة : { الإنسان } آدم . وقال ابن كيسان : { الإنسان } : محمد صلى الله عليه وسلم .

قال القاضي أبو محمد : وهذا التخصيص لا دليل عليه ، وكل المعلومات داخلة في البيان الذي علمه الإنسان ، فكأنه قال من ذلك البيان وفيه معتبر كون { الشمس والقمر بحسبان } فحذف هذا كله ، ورفع { الشمسُ } بالابتداء ، وهذا ابتداء تعديد نعم .