قوله تعالى : { خلق الإنسان ، علمه البيان } وفيه مسائل :
المسألة الأولى : في وجه الترتيب وهو على وجهين ( أحدهما ) ما ذكرنا أن المراد من علم علم الملائكة وتعليمه الملائكة قبل خلق الإنسان ، فعلم تعالى ملائكته المقربين القرآن حقيقة يدل عليه قوله تعالى : { إنه لقرءان كريم ، في كتاب مكنون ، لا يمسه إلا المطهرون } ثم قال تعالى : { تنزيل من رب العالمين } إشارة إلى تنزيله بعد تعليمه ، وعلى هذا ففي النظم حسن زائد وذلك من حيث إنه تعالى ذكر أمورا علوية وأمورا سفلية ، وكل علوي قابله بسفلي ، وقدم العلويات على السفليات إلى آخر الآيات ، فقال : { علم القرآن } إشارة إلى تعليم العلويين ، وقال : { علمه البيان } إشارة إلى تعليم السفليين ، وقال : { الشمس والقمر } في العلويات وقال في مقابلتهما من السفليات : { والنجم والشجر يسجدان } .
ثم قال تعالى : { والسماء رفعها } وفي مقابلتها : { والأرض وضعها } ، ( وثانيهما ) أن تقديم تعليم القرآن إشارة إلى كونه أتم نعمة وأعظم إنعاما ، ثم بين كيفية تعليم القرآن ، فقال : { خلق الإنسان ، علمه البيان } وهو كقول القائل : علمت فلانا الأدب حملته عليه ، وأنفقت عليه مالي ، فقوله : حملته وأنفقت بيان لما تقدم ، وإنما قدم ذلك لأنه الإنعام العظيم .
المسألة الثانية : ما الفرق بين هذه السورة وسورة العلق ، حيث قال هناك : { اقرأ باسم ربك الذي خلق } ثم قال : { وربك الأكرم الذي علم بالقلم } فقدم الخلق على التعليم ؟ نقول : في تلك السورة لم يصرح بتعليم القرآن فهو كالتعليم الذي ذكره في هذه السورة بقوله : { علمه البيان } بعد قوله : { خلق الإنسان } .
المسألة الثالثة : ما المراد من الإنسان ؟ نقول : هو الجنس ، وقيل : المراد محمد صلى الله عليه وسلم ، وقيل : المراد آدم و( الأول ) أصح نظرا إلى اللفظ في { خلق } ويدخل فيه محمد وآدم وغيرهما من الأنبياء .
المسألة الرابعة : ما البيان وكيف تعليمه ؟ نقول : من المفسرين من قال : البيان المنطق فعلمه ما ينطق به ويفهم غيره ما عنده ، فإن به يمتاز الإنسان عن غيره عن الحيوانات ، وقوله : { خلق الإنسان } إشارة إلى تقدير خلق جسمه الخاص ، و{ علمه البيان } إشارة إلى تميزه بالعلم عن غيره . وقد خرج ما ذكرنا أولا أن البيان هو القرآن وأعاده ليفصل ما ذكره إجمالا بقوله تعالى : { علم القرآن } كما قلنا في المثال حيث يقول القائل : علمت فلانا الأدب حملته عليه ، وعلى هذا فالبيان مصدر أريد به ما فيه المصدر ، وإطلاق البيان بمعنى القرآن على القرآن في القرآن كثير ، قال تعالى : { هذا بيان للناس } وقد سمى الله تعالى القرآن فرقانا وبيانا والبيان فرقان بين الحق والباطل ، فصح إطلاق البيان ، وإرادة القرآن .
المسألة الخامسة : كيف صرح بذكر المفعولين في علمه البيان ولم يصرح بهما في علم القرآن نقول : أما إن قلنا : إن المراد من قوله علم القرآن هو أنه علم الإنسان القرآن ، فنقول حذفه لعظم نعمة التعليم وقدم ذكره على من علمه وعلى بيان خلقه ، ثم فصل بيان كيفية تعليم القرآن ، فقال : { خلق الإنسان علمه } وقد بين ذلك ، وأما إن قلنا : المراد { علم القرآن } الملائكة فلأن المقصود تعديد النعم على الإنسان ومطالبته بالشكر ومنعه من التكذيب به ، وتعليمه للملائكة لا يظهر للإنسان أنه فائدة راجعة إلى الإنسان وأما تعليم الإنسان فهي نعمة ظاهرة ، فقال : { علمه البيان } أي علم الإنسان تعديدا للنعم عليه ومثل هذا قال في : { اقرأ } قال مرة : { علم بالقلم } من غير بيان المعلم ، ثم قال مرة أخرى : { علم الإنسان ما لم يعلم } وهو البيان ، ويحتمل أن يتمسك بهذه الآية على أن اللغات توقيفية حصل العلم بها بتعليم الله .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.