السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{عَلَّمَهُ ٱلۡبَيَانَ} (4)

وآية { علمه البيان } أي القوّة الناطقة وهي الإدراك للأمور الكلية والجزئية ، والحكم على الحاضر والغائب بقياسه على الحاضر ، وغير ذلك مما أودعه له سبحانه مع تعبيره عما أدركه مما هو غائب في ضميره وإفهامه لغيره : تارة بالقول وتارة بالفعل ، نطقاً وكتابة وإشارة وغيرها ، فصار بذلك ذا قدرة في نفسه والتكميل لغيره فهذا تعليم البيان الذي مكن من تعليم القرآن ، وقال ابن عباس وقتادة والحسن : يعني آدم عليه السلام علم أسماء كل شيء ، وقيل : علمه اللغات كلها وكان آدم يتكلم بسبعمائة ألف لغة أفضلها العربية ، وعن ابن عباس أيضاً وابن كيسان : المراد بالإنسان هاهنا محمد صلى الله عليه وسلم والمراد من البيان : الحلال والحرام والهدى من الضلال ، وقيل : ما كان وما يكون لأنه بين عن الأولين والآخرين ، وعن يوم الدين ، وقال الضحاك : البيان : الخير والشرّ ، وقال الربيع بن أنس : هو ما ينفعه وما يضره . وقال السدي : علم كل قوم لسانهم الذي يتكلمون به . وقيل : بيان الكتابة والخط بالقلم نظيره قوله تعالى : { علم بالقلم 4 علم الإنسان ما لم يعلم } [ العلق : 3 – 4 ] .

فإن قيل : لِمَ قدّم تعليم القرآن للإنسان على خلقه وهو متأخر عنه في الوجود ؟ أجيب : بأنّ التعليم هو السبب في إيجاده وخلقه .

فإن قيل : كيف صرح بذكر المفعولين في علمه البيان ولم يصرح بهما في علم القرآن ؟ أجيب : بأنّ في ذلك إشارة إلى أن النعمة في التعميم لا في تعليم شخص دون شخص ، وبأنّ المراد من قوله تعالى : { علمه البيان } : تعديد النعم على الإنسان واستدعاء الشكر منه ؛ ولم يذكر الملائكة لأنّ المقصود ذكر ما يرجع إلى الإنسان . وقيل : تقديره علم جبريل القرآن وقيل علم محمداً صلى الله عليه وسلم وقيل علم الإنسان وهذا أولى لعمومه .

تنبيه هذه الجمل من قوله تعالى : { علم القرآن } إلى هنا جيء بها من غير عاطف لأنها سيقت لتعديد نعمه ؛ كقولك : فلان أحسن إلى فلان أكرمه أشاد ذكره رفع قدره ؛ فلشدّة الوصل ترك العاطف ؛ وهي أخبار مترادفة للرّحمن .