ثم أكد - سبحانه - هذا المعنى تأكيدا قويا فقال : { ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ اليقين } أى : ثم لترون الجحيم رؤية هى ذات اليقين ونفسه وعينه ، وذلك لأن تشاهدوها مشاهدة حقيقية ، بحيث لا يلتبس عليكم أمرها .
وقد قالوا : إن مراتب العلم ثلاثة : علم اليقين وهو ما كان ناتجا عن الأدلة والبراهين .
وعين اليقين : وهو ما كان عن مشاهدة وانكشاف .
وحق اليقين : وهو ما كان عن ملابسة ومخالطة .
ومثال ذلك أن تعلم بالأدلة أن الكعبة موجودة ، فذلك علم اليقين ، فإذا رأيتها بعينيك فذلك عين اليقين ، فإذا ما دخلت فى جوفها فذلك حق اليقين .
فأنت ترى أنه - سبحانه - قد حذر الناس من الاشتغال عن طاعته ، ومن التباهى والتكاثر ، بأبلغ أساليب التأكيد وأقواها .
ثم قال : { لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ } هذا تفسير الوعيد المتقدم ، وهو قوله : { كَلا سَوْفَ تَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلا سَوْفَ تَعْلَمُونَ } تَوعَّدَهم بهذا الحال ، وهي رؤية النار{[30469]} التي إذا زفرت زفرة خَرَّ كل ملك مقرب ، ونبي مرسل على ركبتيه ، من المهابة والعظمة ومعاينة الأهوال ، على ما جاء به الأثر المروي في ذلك .
وقوله : { لَتَرُونّ الجَحِيمَ } اختلفت القرّاء في قراءة ذلك ، فقرأته قرّاء الأمصار : { لَتَرَوُنّ الجَحيمَ } بفتح التاء من لَتَرَوُنّ في الحرفين كليهما ، وقرأ ذلك الكسائي بضم التاء من الأولى ، وفتحها من الثانية .
والصواب عندنا في ذلك الفتح فيهما كليهما ، لإجماع الحجة عليه . وإذا كان ذلك كذلك ، فتأويل الكلام : لترونّ أيها المشركون جهنم يوم القيامة ، ثم لترونها عيانا لا تغيبون عنها .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : { ثُمّ لَتَرَوُنّها عَيْنَ الْيَقِينِ } يعني : أهل الشرك .
و{ عينَ اليقين } : اليقين الذي لا يشوبه تردد . فلفظ عين مجاز عن حقيقة الشيء الخالصة غير الناقصة ولا المشابهة .
وإضافة { عين } إلى { اليقين } بيانية كإضافة { حق } إلى { اليقين } في قوله تعالى : { إن هذا لهو حق اليقين } [ الواقعة : 95 ] .
وانتصب { عين } على النيابة عن المفعول المطلق لأنه في المعنى صفة لمصدر محذوف ، والتقدير . ثم لترونها رؤيةَ عين اليقين .
وقرأه الجمهور : { لترون الجحيم } بفتح المثناة الفوقية ، وقرأه ابن عامر والكسائي بضم المثناة من ( أراه ) .
وأمَّا { لترونها } فلم يختلف القراء في قراءته بفتح المثناة .
وأشار في « الكشاف » إلى أن هذه الآيات المفتتحة بقوله : { كلا سوف تعلمون } [ التكاثر : 3 ] والمنتهية بقوله : { عين اليقين } ، اشتملت على وجوه من تقوية الإِنذار والزجر ، فافتتحت بحرف الردع والتنبيه ، وجيء بعده بحرف { ثم } الدال على أن الإِنذار الثاني أبلغ من الأول . وكرر حرف الردع والتنبيه ، وحُذف جواب { لو تعلمون } [ التكاثر : 5 ] لما في حذفه من مبالغة التهويل ، وأُتي بلام القسم لتوكيد الوعيد . وأكد هذا القسم بقسم آخر ، فهذه ستة وجوه .
وأقول زيادة على ذلك : إن في قوله : { عين اليقين } تأكيدين للرؤية بأنها يقين وأن اليقين حقيقة . والقول في إضافة { عين اليقين } كالقول في إضافة { علم اليقين } [ التكاثر : 5 ] المذكور آنفاً .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
لا شك فيه ، يقول : لترون الجحيم في الآخرة معاينة ، والجحيم ما عظم من النار ، يقينها رؤية العين . سنعذبهم مرتين : مرة عند الموت ، ومرة عند القبر ، ثم يردون إلى عذاب عظيم . ...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
لترونّ أيها المشركون جهنم يوم القيامة ، ثم لترونها عيانا لا تغيبون عنها .
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
{ ثم لترونها } بعد الدخول إليها . وقوله { عين اليقين } كقولهم هذا محض اليقين . والمعنى إنكم لو تحققتم وتيقنتم أنكم ترون الجحيم ، وأنكم إذا عصيتم وكفرتم عوقبتم ، لشغلكم هذا عن طلب التكاثر في الأموال في الدنيا ، ...
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
{ عَيْنَ اليقين } أي : الرؤية التي هي نفس اليقين وخالصته . ... ويجوز أن يراد بالرؤية : العلم والإبصار . ...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
إن في قوله : { عين اليقين } تأكيدين للرؤية بأنها يقين وأن اليقين حقيقة . والقول في إضافة { عين اليقين } كالقول في إضافة { علم اليقين } [ التكاثر : 5 ] المذكور آنفاً .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.