مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيۡنَ ٱلۡيَقِينِ} (7)

المسألة السادسة : في تكرار الرؤية وجوه ( أحدها ) : أنه لتأكيد الوعيد أيضا لعل القوم كانوا يكرهون سماع الوعيد فكرر لذلك ونون للتأكيد تقتضي كون تلك الرؤية اضطرارية ، يعني لو خليتم ورأيكم ما رأيتموها لكنكم تحملون على رؤيتها شئتم أم أبيتم ( وثانيها ) : أن أولهما الرؤية من البعيد : { إذا رأتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغيظا } وقوله : { وبرزت الجحيم لمن يرى } والرؤية الثانية إذا صاروا إلى شفير النار ( وثالثها ) : أن الرؤية الأولى عند الورود والثانية عند الدخول فيها ، قيل : هذا التفسير ليس بحسن لأنه قال : { ثم لتسألن } والسؤال يكون قبل الدخول ( ورابعها ) : الرؤية الأولى للوعد والثانية المشاهدة ( وخامسها ) : أن يكون المراد لترون الجحيم غير مرة فيكون ذكر الرؤية مرتين عبارة عن تتابع الرؤية واتصالها لأنهم مخلدون في الجحيم فكأنه قيل لهم : على جهة الوعيد ، لئن كنتم اليوم شاكين فيها غير مصدقين بها فسترونها رؤية دائمة متصلة فتزول عنكم الشكوك وهو كقوله : { ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت } - إلى قوله - { ثم ارجع البصر كرتين } بمعنى لو أعدت النظر فيها ما شئت لم تجد فطورا ولم يرد مرتين فقط ، فكذا ههنا ، إن قيل : ما فائدة تخصيص الرؤية الثانية باليقين ؟ قلنا : لأنهم في المرة الأولى رأوا لهبا لا غير ، وفي المرة الثانية رأوا نفس الحفرة وكيفية السقوط فيها وما فيها من الحيوانات المؤذية ، ولا شك أن هذه الرؤية أجلى ، والحكمة في النقل من العلم الأخفى إلى الأجلى التفريع على ترك النظر لأنهم كانوا يقتصرون على الظن ولا يطلبون الزيادة .

المسألة السابعة : قراءة العامة ( لترون ) بفتح التاء ، وقرئ بضمها من رأيته الشيء ، والمعنى أنهم يحشرون إليها فيرونها ، وهذه القراءة تروى عن ابن عامر والكسائي كأنهما أرادا لترونها فترونها ، ولذلك قرأ الثانية : { ثم لترونها } بالفتح ، وفي هذه الثانية دليل على أنهم إذا أروها رأوها وفي قراءة العامة الثانية تكرير للتأكيد ولسائر الفوائد التي عددناها ، واعلم أن قراءة العامة أولى لوجهين ( الأول ) قال الفراء : قراءة العامة أشبه بكلام العرب لأنه تغليظ ، فلا ينبغي أن الجحيم لفظه ( الثاني ) : قال أبو علي المعنى في : { لترون الجحيم } لترون عذاب الجحيم ، ألا ترى أن الجحيم يراها المؤمنون أيضا بدلالة قوله : { وإن منكم إلا واردها } وإذا كان كذلك كان الوعيد في رؤية عذابها لا في رؤية نفسها يدل على هذا قوله : { إذ يرون العذاب } وقوله : { وإذا رأى الذين ظلموا العذاب } وهذا يدل على أن ( لترون ) أرجح من ( لترون ) .