وقوله - سبحانه - : { فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنبِهِمْ فَسَوَّاهَا } بيان لموقفهم السيئ من تحذير نبيهم لهم ، ولما أصابهم من عذاب مهلك بسبب هذا التكذيب .
وقوله : { فَدَمْدَمَ } - بزنة فعلل - بمعنى تضعيف العذاب وترديده ، يقال : دمدمت على الشئ ، أى : أطبقت عليه ، ودمدم عليه القبر ، أى : أطبقه عليه .
أى : فكذبت قوم صالح نبيهم ، وأصروا على هذا التكذيب ، وتجاوزوا ذلك إلى عقر الناقة التى نهاهم عن مسها بسوء . . فكانت نتيجة ذلك ، أن أهلكهم الله - تعالى - وأن أخذهم أخذ عزيز مقتدر ، فقد أطبق عليهم الأرض ، وسواها من فوقهم جميعا دون أن يفلت منهم أحد ، وصاروا كلهم تحت ترابها ، ونجى - سبحانه - صالحا ومن آمن معه . بفضله ورحمته .
فكذبوا النذير فعقروا الناقة . والذي عقرها هو هذا الأشقى . ولكنهم جميعا حملوا التبعة وعدوا أنهم عقروها ، لأنهم لم يضربوا على يده ، بل استحسنوا فعلته . وهذا مبدأ من مبادئ الإسلام الرئيسية في التكافل في التبعة الإجتماعية في الحياة الدنيا . لا يتعارض مع التبعة الفردية في الجزاء الأخروي حيث لا تزر وازرة وزر أخرى . على أنه من الوزر إهمال التناصح والتكافل والحض على البر والأخذ على يد البغي والشر .
عندئذ تتحرك يد القدرة لتبطش البطشة الكبرى : ( فدمدم عليهم ربهم بذنبهم فسواها ) . .
والدمدمة الغضب وما يتبعه من تنكيل . واللفظ ذاته . . ( دمدم )يوحي بما وراءه ، ويصور معناه بجرسه ، ويكاد يرسم مشهدا مروعا مخيفا ! وقد سوى الله أرضهم عاليها بسافلها ، وهو المشهد الذي يرتسم بعد الدمار العنيف الشديد . .
قال الله : { فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا } أي : كذبوه فيما جاءهم به فأعقبهم ذلك أن عقروا الناقة التي أخرجها الله من الصخرة آية لهم وحجة عليهم ، { فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ } أي : غضب عليهم ، فدمر عليهم ، { فَسَوَّاهَا } أي : فجعل العقوبة نازلة عليهم على السواء .
قال قتادة : بلغنا أن أحيمر ثمود لم يعقر الناقة حتى تابعه صغيرهم وكبيرهم ، وذكرهم وأنثاهم ، فلما اشترك القوم في عقرها دمدم الله عليهم بذنوبهم{[30150]} فسواها .
وقوله : فَكَذّبُوهُ فَعَقَرُوها يقول : فكذّبوا صالحا في خبره الذي أخبرهم به ، من أن الله الذي جعل شِرْبَ الناقة يوما ، ولهم شربُ يوم معلوم ، وأن اللّهُ يحِلّ بهم نقمته ، إن هم عقروها ، كما وصفهم جلّ ثناؤه فقال : كَذّبَتْ ثَمُودُ وَعادٌ بِالْقَارِعَةِ ، وقد يحتمل أن يكون التكذيب بالعقْر . وإذا كان ذلك كذلك ، جاز تقديم التكذيب قبل العقر ، والعقر قبل التكذيب ، وذلك أن كلّ فعل وقع عن سبب حسن ابتداؤه قبل السبب وبعده ، كقول القائل : أعطيت فأحسنت ، وأحسنت فأعطيت ، لأن الإعطاء : هو الإحسان ، ومن الإحسان الإعطاء ، وكذلك لو كان العَقْر هو سبب التكذيب ، جاز تقديم أيّ ذلك شاء المتكلم . وقد زعم بعضهم أن قوله : فَكَذّبُوهُ كلمة مكتفية بنفسها ، وأن قوله : فَعَقَرُوها جواب لقوله : إذِ انْبَعَث أشْقاها كأنه قيل : إذ انبعث أشقاها فعقرها ، فقال : وكيف ؟ قيل فَكَذّبُوهُ فَعَقَرُوها وقد كان القوم قبل قتل الناقة مُسَلّمين ، لها شرب يوم ، ولهم شرب يوم آخر . قيل : جاء الخبر أنهم بعد تسليمهم ذلك ، أجمعوا على منعها الشربَ ، ورضُوا بقتلها ، وعن رضا جميعهم قَتَلها قاتِلُها ، وعَقَرها مَنْ عقرها ولذلك نُسب التكذيب والعقر إلى جميعهم ، فقال جلّ ثناؤه : فَكَذّبُوهُ فَعَقَرُوها .
وقوله : فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوّاها يقول تعالى ذكره : فدمّر عليهم ربهم بذنبهم ذلك ، وكفّرهم به ، وتكذيبهم رسوله صالحا ، وعَقْرهم ناقته فَسَوّاها يقول : فَسوّى الدمدمة عليهم جميعهم ، فلم يُفْلِت منهم أحد ، كما :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوّاها ذُكر لنا أن أحيمرَ ثمود أبى أن يعقِرَها ، حتى بايعه صغيرُهم وكبيرُهم ، وذَكَرُهم وأنثاهم ، فلما اشترك القومُ في عَقْرها دمدم الله عليهم بذنبهم فسوّاها .
حدثني بشر بن آدم ، قال : حدثنا قُتيبة ، قال : حدثنا أبو هلال ، قال : سمعت الحسن يقول : لما عقروا الناقةَ طلبوا فَصِيلَها ، فصار في قارة الجبل ، فقطع اللّهُ قلوبَهم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.