{ والذين هَاجَرُواْ } من ديارهم { فِي سَبِيلِ } إعلاء كلمة الله ونصرة دينه { ثُمَّ قتلوا } أى : قتلهم الكفار فى الجهاد { أَوْ مَاتُواْ } أى : على فراشهم .
هؤلاء وهؤلاء { لَيَرْزُقَنَّهُمُ الله } - تعالى - بفضله وكرمه { رِزْقاً حَسَناً } يرضيهم ويسرهم يوم يلقونه . حيث يبوئهم جنته .
قال - تعالى - : { وَلاَ تَحْسَبَنَّ الذين قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ الله أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ . . . }
وقال - سبحانه - { وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى الله وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الموت فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلىَ الله } وقوله - عز وجل - : { وَإِنَّ الله لَهُوَ خَيْرُ الرازقين } تذييل قصد به بيان أن عطاءه - سبحانه - فوق كل عطاء ، لأنه يرزق من يشاء بغير حساب ، ويعطى من يشاء دون أن ينازعه منازع ، أو يعارضه معارض ، أو ينقص مما عنده شىء .
( والذين هاجروا في سبيل الله ، ثم قتلوا أو ماتوا ، ليرزقنهم الله رزقا حسنا ، وإن الله لهو خير الرازقين . ليدخلنهم مدخلا يرضونه ، وإن الله لعليم حليم ) . .
والهجرة في سبيل الله تجرد من كل ما تهفو له النفس ، ومن كل ما تعتز به وتحرص عليه : الأهل والديار والوطن والذكريات ، والمال وسائر أعراض الحياة . وإيثار العقيدة على هذا كله ابتغاء رضوان الله ، وتطلعا إلى ما عنده وهو خير مما في الأرض جميعا .
والهجرة كانت قبل فتح مكة وقيام الدولة الإسلامية . أما بعد الفتح فلم تعد هجرة . ولكن جهاد وعمل - كما قال رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] فمن جاهد في سبيل الله وعمل كان له حكم الهجرة ، وكان له ثوابها . .
( والذين هاجروا في سبيل الله ثم قتلوا أو ماتوا ليرزقنهم الله رزقا حسنا ) . . سواء لاقوا الله شهداء بالقتل ، أو لاقوه على فراشهم بالموت . فلقد خرجوا من ديارهم وأموالهم في سبيله مستعدين لكل مصير ، واستروحوا الشهادة في هجرتهم عن أي طريق ، وضحوا بكل عرض الحياة وتجردوا بهذا لله . فتكفل الله لهم بالعوض الكريم عما فقدوه : ( ليرزقنهم الله رزقا حسنا ، وإن الله لهو خير الرازقين ) . . وهو رزق أكرم وأجزل من كل ما تركوا .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَالّذِينَ هَاجَرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ثُمّ قُتِلُوَاْ أَوْ مَاتُواْ لَيَرْزُقَنّهُمُ اللّهُ رِزْقاً حَسَناً وَإِنّ اللّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرّازِقِينَ } .
يقول تعالى ذكره : والذين فارقوا أوطانهم وعشائرهم فتركوا ذلك في رضا الله وطاعته وجهاد أعدائه ثم قتلوا أو ماتوا وهم كذلك ، لَيْرُزَقّنُهُم الله يوم القيامة في جناته رِزْقا حَسَنَا يعني بالحسن : الكريم وإنما يعني بالرزق الحسن : الثواب الجزيل . وَإنّ اللّهَ لَهُوَ خَيرُ الرّازِقِينَ يقول : وإن الله لهو خير من بسط فضله على أهل طاعته وأكرمهم ، وذكر أن هذه الاَية نزلت في قوم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم اختلفوا في حكم من مات في سبيل الله ، فقال بعضهم : سواء المقتول منهم والميت ، وقال آخرون : المقتول أفضل . فأنزل الله هذه الاَية على نبيه صلى الله عليه وسلم ، يعلمهم استواء أمر الميت في سبيله والمقتول فيها في الثواب عنده . وقد :
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني عبد الرحمن بن شريح ، عن سلامان بن عامر قال : كان فضالة برودس أميرا على الأرباع ، فخرج بجنازتي رجلين ، أحدهما قتيل والاَخر متوفي فرأى ميل الناس مع جنازة القتيل إلى حفرته ، فقال : أراكم أيها الناس تميلون مع القتيل وتفضلونه على أخيه المتوفي ؟ ( فقالوا : هذا القتيل في سبيل الله . فقال ) فوالذي نفسي بيده ما أبالي من أيّ حفرتيهما بُعثت اقرءوا قول الله تعالى : وَالّذِينَ هاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ ثمّ قُتِلُوا أوْ ماتُوا . . . إلى قوله : وَإنّ اللّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ .
{ والذين هاجروا في سبيل الله ثم قتلوا } في الجهاد . { أو ماتوا ليرزقنهم الله رزقا حسنا } الجنة ونعيمها ، وإنما سوى بين من قتل في الجهاد ومن مات حتف أنفه في الوعد لاستوائهما في القصد وأصل العمل . روي أن بعض الصحابة رضي الله تعالى عنهم قالوا : يا نبي الله هؤلاء الذين قتلوا قد علمنا ما أعطاهم الله تعالى من الخير ونحن نجاهد معك كما جاهدوا فما لنا إن متنا فنزلت . { وإن الله لهو خير الرازقين } فإنه يرزق بغير حساب .
وقوله { والذين هاجروا في سبيل الله } الآية ابتداء معنى آخر وذلك أنه لما مات بالمدينة عثمان بن مظعون وأبو سلمة بن عبد الأسد قال بعض الناس : من قتل من المهاجرين أفضل ممن مات حتف أنفة فنزلت هذه الآية مسوية بينهم في أن الله تعالى يرزق جميعهم { رزقاً حسناً } وليس هذا بقاض بتساويهم في الفضل ، وظاهر الشريعة أن المقتول أفضل ، وقال بعض الناس : المقتول والميت في سبيل الله شهيدان ، ولكن للمقتول مزية ما أصابه في ذات الله ، و «الرزق الحسن » ، يحتمل أن يريد به رزق الشهداء عند ربهم في البرزخ ويحتمل أن يريد بعد يوم القيامة في الجنة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.