فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَٱلَّذِينَ هَاجَرُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوٓاْ أَوۡ مَاتُواْ لَيَرۡزُقَنَّهُمُ ٱللَّهُ رِزۡقًا حَسَنٗاۚ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَهُوَ خَيۡرُ ٱلرَّـٰزِقِينَ} (58)

{ وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ } أفرد سبحانه المهاجرين بالذكر تخصيصا لهم بمزيد الشرف وتفخيما لشأنهم ، قال بعض المفسرين : هم الذين هاجروا من مكة إلى المدينة ، وقال بعضهم : الذين هاجروا من الأوطان في سرية أو عسكر ولا يبعد حمل ذلك على الأمرين ، والكل في سبيل الله وطاعته .

{ ثُمَّ قُتِلُوا } وقرئ مشددا على التكثير { أَوْ مَاتُوا } في حال المهاجرة { لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ } جواب قسم محذوف { رِزْقًا } أي مرزوقا { حَسَنًا } أو مصدر مؤكد وفيه دليل على وقوع الجملة القسمية خبرا للمبتدأ ومن يمنعه ، فقوله مرجوح والرزق الحسن هو نعيم الجنة الذي لا ينقطع ، وقيل هو الغنيمة لأنه حلال ، وقيل هو العلم والفهم كقول شعيب : ورزقني منه رزقا حسنا ، والتسوية في الوعد بالرزق لا يدل على تفضيل في قدر المعطي ولا تسوية ، فإن يكن تفضيل فمن دليل آخر ، والمقرر في كتب الفروع أن المقتول أفضل لأنه شهيد .

وقد أخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه ، عن سلمان الفارسي أنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( من مات مرابطا أجرى الله عليه مثل ذلك الأجر وأجرى عليه الرزق وأمن من الفتانين ، اقرأوا إن شئتم والذين هاجروا إلى قوله حليم ) .

قلت : يؤيد هذا قوله سبحانه : { ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله } .

{ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ } أي أفضلهم فإنه سبحانه يرزق بغير حساب بمحض الإحسان ، وكل رزق يجري على يد العباد بعضهم لبعض فهو منه سبحانه لا رازق سواه ولا معطي غيره ، والجملة تذييل مقررة لما قبلها .