قوله : «والَّذِينَ هَاجَرُوا » مبتدأ ، وقوله : «لَيَرْزُقَنَّهُم »{[31685]} جواب قسم مقدر ، والجملة القسمية وجوابها خبر قوله : «والَّذِينَ هَاجَرُوا » . وفيه دليل على وقوع الجملة القسمية خبراً للمبتدأ . ومن يمنع يضمر قولاً هو الخبر يحكي به هذه الجملة القسمية . وهو قول مرجوح {[31686]} .
قوله : «رِزْقاً » يجوز أن تكون مفعولاً ثانياً على أنه من باب الرعي والذبح أي : مرزوقاً{[31687]} حسناً . وأن يكون مصدراً مؤكداً {[31688]} .
وقوله : «ثُمَّ قُتِلُوا » وقوله : «مُدْخَلاً » تقدم الخلاف في القراءة بهما في آل عمران{[31689]} وفي النساء . {[31690]}
لما ذكر أن المُلْكَ له يوم القيامة ، وأنه يَحكم بينهم ، ويُدخل المؤمنين الجنات أتبعه بذكر الوعد الكريم للمهاجرين ، وأفردهم بالذكر تفخيماً لشأنهم فقال : «وَالَّذِينَ هَاجَرُوا »{[31691]} فارقوا أوطانهم وعشائرهم في طاعة الله ، وطلب رضاه { ثُمَّ قتلوا أَوْ مَاتُواْ } وهم كذلك قال مجاهد : نزلت في طوائف خرجوا من مكة إلى المدينة للهجرة فتبعهم المشركون فقاتلوهم وظاهر الآية العموم{[31692]} . ثم قال : { لَيَرْزُقَنَّهُمُ الله رِزْقاً حَسَناً } والرزق الحسن هو الذي لا ينقطع أبداً وهو نعيم الجنة . وقال الأصم : إنه العلم والفهم لقول شعيب - عليه السلام{[31693]} - { وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً }{[31694]} [ هود : 88 ] . ( وقال الكلبي : «رِزْقاً حَسَناً » ){[31695]} أي حلالاً وهو الغنيمة .
وهذان الوجهان ضعيفان لأنه تعالى جعله جزاء على هجرتهم في سبيل الله بعد القتل والموت ، وبعدهما لا يكون إلا نعيم الآخرة{[31696]} . ثم قال : { وَإِنَّ الله لَهُوَ خَيْرُ الرازقين } معلوم{[31697]} بأن كل الرزق من عنده . فقيل : إن{[31698]} التفاوت إنما كان بسبب أنه تعالى مختص بأن يرزق بما لا يقدر عليه غيره . وقيل : المراد أنه الأصل في الرزق ، وغيره إنما يرزق بما تقدم من الرزق من جهة الله{[31699]} . وقيل : إن غيره ينقل من يده إلى يد غيره لا أنه يفعل نفس الرزق .
وقيل : إن غيره إذا رزق فإنما{[31700]} يرزق لانتفاعه به ، إما لأجل خروجه عن الواجب أو لأجل أن يستحق به حمداً أو ثناء ، أو لأجل الرقّة الجنسية ، أما{[31701]} الحق سبحانه فإن كماله صفة ذاتية له فلا يستفيد من شيء كمالاً زائداً ، فالرزق الصادر منه لمحض الإحسان . وقيل : إن غيره إنما يرزق إذا حصل في قلبه إرادة ذلك الفعل ، وتلك الإرادة من الله ، فالرازق في الحقيقة هو الله{[31702]} .
فصل{[31703]}
قالت المعتزلة : الآية تدل على أمور ثلاثة :
الأول : أن غير الله{[31704]} قادر .
الثاني : أن غير الله يصح أن يرزق ويملك ، ولولا كونه قادراً فاعلاً لما صح ذلك .
الثالث : أن الرزق لا يكون إلا حلالاً ، لأن قوله : «خَيْرُ الرَّازِقِيْن » يدل على كونهم ممدوحين .
والجواب : لا نزاع في كون العبد قادراً ، فإن القدرة مع الداعي مؤثرة في الفعل بمعنى الاستلزام .
والثالث بحث لفظي تقدم الكلام فيه .
دل قوله : { ثُمَّ قتلوا أَوْ مَاتُواْ } على أن حال المقتول في الجهاد والميت على فراشه سواء ، لأنه تعالى جمع بينهما في الوعد ، ويؤيده ما روى أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : «المَقْتُولُ فِي سَبِيْلِ اللَّهِ والمُتَوَفَّى فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ قَتْلٍ هُمَا فِي الأَجْرِ شَريكَان » ولفظ الشركة مشعر بالتسوية وإلا فلا يبقى لتخصيصها بالذكر فائدة {[31705]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.