السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَٱلَّذِينَ هَاجَرُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوٓاْ أَوۡ مَاتُواْ لَيَرۡزُقَنَّهُمُ ٱللَّهُ رِزۡقًا حَسَنٗاۚ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَهُوَ خَيۡرُ ٱلرَّـٰزِقِينَ} (58)

ولما كان المؤمنون في حصر مع الكفار رغبهم الله في الهجرة بقوله تعالى : { والذين هاجروا في سبيل الله } أي : فارقوا أوطانهم وعشائرهم في طاعة الله وطلب مرضاته من مكة إلى المدينة { ثم قتلوا } في الجهاد بعد الهجرة ، وقرأ ابن عامر بتشديد التاء والباقون بالتخفيف ، وألحق به مطلق الموت فضلاً منه بقوله تعالى : { أو ماتوا } أي : من غير قتل { ليرزقنّهم الله } أي : الجامع لصفات الكمال { رزقاً حسناً } هو رزق الجنة من حين تفارق أرواحهم أشباحهم ؛ لأنهم أحياء عند ربهم { وإنّ الله } أي : الملك الأعلى القادر على الإحياء كما قدر على الإماتة { لهو خير الرازقين } فإنه يرزق بغير حساب يرزق الخلق عامة البارّ منهم والفاجر .

فإن قيل : الرازق في الحقيقة هو الله تعالى لا رازق للخلق غيره فكيف قال : { لهو خير الرازقين } ؟ أجيب : بأنّ غير الله يسمى رازقاً على المجاز كقولهم : رزق السلطان الجيش أي : أعطاهم أرزاقهم ، وإن كان الرازق في الحقيقة هو الله تعالى ،