فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَٱلَّذِينَ هَاجَرُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوٓاْ أَوۡ مَاتُواْ لَيَرۡزُقَنَّهُمُ ٱللَّهُ رِزۡقًا حَسَنٗاۚ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَهُوَ خَيۡرُ ٱلرَّـٰزِقِينَ} (58)

أفرد سبحانه المهاجرين بالذكر تخصيصاً لهم بمزيد الشرف ، فقال : { والذين هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ الله } قال بعض المفسرين : هم الذين هاجروا من مكة إلى المدينة . وقال بعضهم : الذين هاجروا من الأوطان في سرية أو عسكر ، ولا يبعد حمل ذلك على الأمرين ، والكلّ من سبيل الله { ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا } أي في حال المهاجرة ، واللام في { لَيَرْزُقَنَّهُمُ الله رِزْقاً حَسَناً } جواب قسم محذوف ، والجملة خبر الموصول بتقدير القول ، وانتصاب { رزقاً } على أنه مفعول ثانٍ ، أي : مرزوقاً حسناً ، أو على أنه مصدر مؤكدة ، والرزق الحسن هو نعيم الجنة الذي لا ينقطع وقيل هو الغنيمة لأنه حلال . وقيل : هو العلم والفهم كقول شعيب : { وَرَزَقَنِى مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا } [ هود : 88 ] . قرأ ابن عامر وأهل الشام : «ثم قتلوا » بالتشديد على التكثير ، وقرأ الباقون بالتخفيف { وَإِنَّ الله لَهُوَ خَيْرُ الرازقين } فإنه سبحانه يرزق بغير حساب ، وكل رزق يجري على يد العباد لبعضهم البعض ، فهو منه سبحانه ، لا رازق سواه ولا معطي غيره ، والجملة تذييل مقرّرة لما قبلها .

/خ66