إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَٱلَّذِينَ هَاجَرُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوٓاْ أَوۡ مَاتُواْ لَيَرۡزُقَنَّهُمُ ٱللَّهُ رِزۡقًا حَسَنٗاۚ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَهُوَ خَيۡرُ ٱلرَّـٰزِقِينَ} (58)

{ والذين هَاجَرُواْ في سَبِيلِ الله } أي في الجهادِ حسبما يلوحُ به قوله تعالى : { ثُمَّ قُتِلُواْ أَوْ مَاتُواْ } أي في تضاعيف المُهاجرة . ومحلُّ الموصول الرَّفعُ على الابتداء وقوله تعالى : { لَيَرْزُقَنَّهُمُ الله } جواب لقسم محذوفٍ والجملةُ خبرُه ومن منع وقوعَ الجملةِ القسميَّةِ وجوابِها خبراً للمبتدأ يُضمر قولاً هو الخبرُ والجملةُ محكمية . وقوله تعالى : { رِزْقًا حَسَنًا } إمَّا مفعول ثانٍ على أنَّه من باب الرَّعي والذَّبحِ أي مَرزوقاً حسناً أو مصدرٌ مؤكِّد والمراد به ما لا ينقطعُ أبداً من نعيمِ الجنَّةِ وإنَّما سوى بينهما في الوعدِ لاستوائهما في القصد . وأصلُ العمل على أن مراتبَ الحُسنِ متفاوتةٌ فيجوزُ تفاوتُ حال المرزوقينَ حسب تفاوت الأرزاقِ الحسنةِ . ورُوي أنَّ بعضَ أصحابِ النَّبيِّ عليه السَّلامُ قالوا : يا نبيَّ الله هؤلاءِ الذين قُتلوا في سبيلِ الله قد علمنا ما أعطاهُم الله تعالى من الخيرِ ونحنُ نجاهد معك كما جاهدُوا فما لنا إنْ مُتنا معك فنزلتْ . وقيل : نزلتْ في طوائفَ خرجُوا من مكَّةَ إلى المدينةِ للهجرةِ فتبعهم المشركونَ فقاتلُوهم { وَإِنَّ الله لَهُوَ خَيْرُ الرزقين } فإنَّه يرزق بغير حسابٍ مع أنَّ ما يرزقه لا يقدِرُ عليه أحدٌ غيرُه والجملة اعتراضٌ تذييليٌّ مقررٌ لما قبله .