المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَمِنَ ٱلشَّيَٰطِينِ مَن يَغُوصُونَ لَهُۥ وَيَعۡمَلُونَ عَمَلٗا دُونَ ذَٰلِكَۖ وَكُنَّا لَهُمۡ حَٰفِظِينَ} (82)

82- وسخرنا له من الشياطين من يغوصون في الماء إلي أعماق البحار ، ليستخرجوا اللؤلؤ والمرجان ، ويعملوا عملا غير ذلك ، كبناء الحصون والقصور ، وكنا لهم مراقبين لأعمالهم ، فلا ينالون أحداً بسوء ، ولا يتمرَّدون علي أمر سليمان .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَمِنَ ٱلشَّيَٰطِينِ مَن يَغُوصُونَ لَهُۥ وَيَعۡمَلُونَ عَمَلٗا دُونَ ذَٰلِكَۖ وَكُنَّا لَهُمۡ حَٰفِظِينَ} (82)

وقوله - سبحانه - : { وَمِنَ الشياطين مَن يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلاً دُونَ ذلك } بيان لمنة أخرى من المنن الكثيرة التى امتن بها - سبحانه - على عبده ونبيه سليمان .

ويغوصون من الغوص وهو النزول تحت الماء ، ومنه الغواص الذى ينزل تحت الماء لاستخراج الجواهر وغيرها .

وقوله : { مَن يَغُوصُونَ لَهُ } فى محل نصب عطفا على معمول { سَخَّرْنَا } ، السابق .

أى : وسخرنا - أيضا - لسليمان من يغوص له ، أى : لأجله ، من الشياطين ، فينزلون تحت مياه البحار ليستخرجوا له منها الجواهر النفيسة كاللؤلؤ والمرجان .

وفى التعبير بقوله : { لَهُ } إشعار بأن غوصهم لم يكن لمنفعة أنفسهم أو باختيارهم ، وإنما هم كانوا يغوصون من أجل مصلحة سليمان - عليه السلام - وبأمره .

وقوله : { وَيَعْمَلُونَ عَمَلاً دُونَ ذلك } أى : لم تكن مهمتهم الغوص فقط وإنما كان سليمان يسخرهم ويكلفهم بأعمال أخرى كثيرة كبناء المدائن والقصور وصنع التماثيل والمحاريب . . . كما قال - تعالى - : { وَلِسُلَيْمَانَ الريح غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ القطر وَمِنَ الجن مَن يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَن يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السعير يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَآءُ مِن مَّحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كالجواب وَقُدُورٍ رَّاسِيَاتٍ اعملوا آلَ دَاوُودَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشكور } فاسم الإشارة فى قوله { وَيَعْمَلُونَ عَمَلاً دُونَ ذلك } يعود إلى الغوص أى : ويعملون له عملا كثيرا سوى ذلك الغوص .

ثم ختم - سبحانه - الآية الكريمة بقوله : { وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ } أى : وكنا لهؤلاء الشياطين حافظين من أن يخرجوا عن طاعته . أو أن يوجد منهم فساد فيما هم مسخرون له .

وتلك نعمة كبرى لسليمان - عليه السلام - حيث جعل - سبحانه - الشياطين لا يستطيعون أن يزيغوا عن أمره .

هذا وقد ذكر بعض المفسرين عند تفسيرهم لهذه الآيات قصصا متعددة منها قصة بساط الريح الذى قيل إن سليمان كان يجلس عليه هو وجنده ، فيطير بهم إلى الشام فى وقت قصير ، ومنها صفة حمل الريح له وصفة جنوده من الجن والإنس والطير .

وقد رأينا عدم ذكر ذلك هنا ، لأنه لم يرد ما يؤيده من الآثار الصحيحة .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَمِنَ ٱلشَّيَٰطِينِ مَن يَغُوصُونَ لَهُۥ وَيَعۡمَلُونَ عَمَلٗا دُونَ ذَٰلِكَۖ وَكُنَّا لَهُمۡ حَٰفِظِينَ} (82)

48

وكذلك تسخير الجن لسليمان - عليه السلام - ليغوصوا في أعماق البحر أو أعماق اليابسة . ويستخرجوا كنوزها المخبوءة لسليمان ؛ أو ليعملوا له أعمالا غير هذا وذاك . . فالجن كل ما خفي . وقد قررت النصوص القرآنية أن هناك خلقا يسمون الجن خافين علينا ، فمن هؤلاء سخر الله لسليمان من يغوصون له ويعملون عملا دون ذلك . وحفظهم فلا يهربون ولا يفسدون ولا يخرجون على طاعة عبده . وهو القاهر فوق عباده يسخرهم حين يشاء كيف يشاء .

وعند هذا الحد المأمون نقف في ظلال النصوص . فلا نسبح في الإسرائيليات .

لقد ابتلى الله داود وسليمان - عليهما السلام - بالسراء . وفتنتهما في هذه النعمة . فتن داود في القضاء . وفتن سليمان بالخيل الصافنات - كما سيأتي في سورة ص - فلا نتعرض هنا لتفصيلات الفتنة حتى يأتي ذكرها في موضعها . إنما نخلص إلى نتائجها . . لقد صبر داود ، وصبر سليمان للابتلاء بالنعمة - بعد الاستغفار من الفتنة - واجتازوا الامتحان في النهاية بسلام ؛ فكانا شاكرين لنعمة الله .