ثم إنه سبحانه لما أخبر عنهم في الآية المتقدمة أنهم لا يتمنون الموت ، أخبر بعد ذلك أنهم في غاية الحرص على الحياة ، لأن ههنا قسماً ثالثاً وهو أن لا يتمنى الحياة ولا الموت فقال { ولتجدنهم أحرص الناس } مؤكداً باللام والنون والقسم المقدر وهو من وجد بمعنى علم . وقوله { على حياة } بالتنكير لأنه أراد نوعاً من الحياة مخصوصاً وهي الحياة المتطاولة أو حياة وأيّ حياة . وفي جعلهم أحرص من الذين أشركوا توبيخ عظيم ، لأن المشركين لا يؤمنون بمعاد وعاقبة وما يعرفون إلا الحياة الدنيا فهي جنتهم ، فلا يستبعد حرصهم عليها . فإذا ازداد عليهم في الحرص من له كتاب وهو مقر بالجزاء كان خليقاً بالتوبيخ . وسبب زيادة حرصهم هو علمهم بأنهم صائرون إلى النار لا محالة والمشركون غافلون عن ذلك . وقيل : أراد بالذين أشركوا المجوس لأنهم كانوا يقولون لملوكهم : عش ألف نيروز وألف مهرجان . وعن ابن عباس : هو قول الأعاجم " زي هزار سال " ، ويحسن أن يقال { ومن الذين أشركوا } كلام مبتدأ أي ومنهم ناس يودّ على حذف الموصوف كقوله { وما منا إلا له مقام معلوم } [ الصافات : 164 ] أي وما منا ملك لقوة الدلالة عليه بذكر ما اشتمل عليه قبله ، فكأنه مذكور ، وعلى هذا يلزم توبيخ اليهود من جهة أخرى وهي انضمامهم في زمرة المشركين وكونهم بعضاً منهم وذلك كقولهم { عزير ابن الله } [ التوبة : 30 ] . وقال أبو مسلم : في الآية تقديم وتأخير أي ولتجدنهم طائفة من الذين أشركوا وأحرص الناس على حياة ، ثم فسر بقوله { يود أحدهم } أي كل واحد يغرض لو يعمر . و{ لو } في معنى التمني و{ لو يعمر } حكاية لودادتهم ، وكان يجوز " لو أعمر " على الحكاية إلا أنه جرى على لفظ الغيبة لقوله { يود أحدهم } مثل " حلف بالله ليفعلن " وتخصيص الألف بالذكر بناء على العرف ولأنه أول عقد يستحيل وقوعه في أعمار بني آدم أو يندر . والضمير في قوله { وما هو } يعود إلى أحدهم و{ أن يعمر } فاعل { بمزحزحه } أي وما أحدهم بمن يزحزحه من العذاب تعميره . ويجوز أن يكون الضمير لما دل عليه { يعمر } من مصدره و{ أن يعمر } بدل منه كأنه قيل : وما التعمير بمزحزحه من العذاب أن يعمر . ويجوز أن يكون { هو } مبهماً و{ أن يعمر } موضحه . والزحزحة المباعدة والتنحية . { والله بصير بما يعملون } فيه تهديد لأهل البغي والعناد ، وزجر للعصاة عن الفساد . والبصر قد يراد به العلم يقال فلان بصير بهذا الأمر أي عارف به ، وقد يراد به أنه على صفة لو وجدت المبصرات لأبصرها ، وكلا الوصفين يصح عليه سبحانه ما لم يثبت له جارحة . فإن قلنا : إن من الأعمال ما لا يصح أن يرى ، تعين حمل البصر فيه على العلم والله أعلم بالصواب . وإليه المرجع والمآب .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.