غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَلَتَجِدَنَّهُمۡ أَحۡرَصَ ٱلنَّاسِ عَلَىٰ حَيَوٰةٖ وَمِنَ ٱلَّذِينَ أَشۡرَكُواْۚ يَوَدُّ أَحَدُهُمۡ لَوۡ يُعَمَّرُ أَلۡفَ سَنَةٖ وَمَا هُوَ بِمُزَحۡزِحِهِۦ مِنَ ٱلۡعَذَابِ أَن يُعَمَّرَۗ وَٱللَّهُ بَصِيرُۢ بِمَا يَعۡمَلُونَ} (96)

92

ثم إنه سبحانه لما أخبر عنهم في الآية المتقدمة أنهم لا يتمنون الموت ، أخبر بعد ذلك أنهم في غاية الحرص على الحياة ، لأن ههنا قسماً ثالثاً وهو أن لا يتمنى الحياة ولا الموت فقال { ولتجدنهم أحرص الناس } مؤكداً باللام والنون والقسم المقدر وهو من وجد بمعنى علم . وقوله { على حياة } بالتنكير لأنه أراد نوعاً من الحياة مخصوصاً وهي الحياة المتطاولة أو حياة وأيّ حياة . وفي جعلهم أحرص من الذين أشركوا توبيخ عظيم ، لأن المشركين لا يؤمنون بمعاد وعاقبة وما يعرفون إلا الحياة الدنيا فهي جنتهم ، فلا يستبعد حرصهم عليها . فإذا ازداد عليهم في الحرص من له كتاب وهو مقر بالجزاء كان خليقاً بالتوبيخ . وسبب زيادة حرصهم هو علمهم بأنهم صائرون إلى النار لا محالة والمشركون غافلون عن ذلك . وقيل : أراد بالذين أشركوا المجوس لأنهم كانوا يقولون لملوكهم : عش ألف نيروز وألف مهرجان . وعن ابن عباس : هو قول الأعاجم " زي هزار سال " ، ويحسن أن يقال { ومن الذين أشركوا } كلام مبتدأ أي ومنهم ناس يودّ على حذف الموصوف كقوله { وما منا إلا له مقام معلوم } [ الصافات : 164 ] أي وما منا ملك لقوة الدلالة عليه بذكر ما اشتمل عليه قبله ، فكأنه مذكور ، وعلى هذا يلزم توبيخ اليهود من جهة أخرى وهي انضمامهم في زمرة المشركين وكونهم بعضاً منهم وذلك كقولهم { عزير ابن الله } [ التوبة : 30 ] . وقال أبو مسلم : في الآية تقديم وتأخير أي ولتجدنهم طائفة من الذين أشركوا وأحرص الناس على حياة ، ثم فسر بقوله { يود أحدهم } أي كل واحد يغرض لو يعمر . و{ لو } في معنى التمني و{ لو يعمر } حكاية لودادتهم ، وكان يجوز " لو أعمر " على الحكاية إلا أنه جرى على لفظ الغيبة لقوله { يود أحدهم } مثل " حلف بالله ليفعلن " وتخصيص الألف بالذكر بناء على العرف ولأنه أول عقد يستحيل وقوعه في أعمار بني آدم أو يندر . والضمير في قوله { وما هو } يعود إلى أحدهم و{ أن يعمر } فاعل { بمزحزحه } أي وما أحدهم بمن يزحزحه من العذاب تعميره . ويجوز أن يكون الضمير لما دل عليه { يعمر } من مصدره و{ أن يعمر } بدل منه كأنه قيل : وما التعمير بمزحزحه من العذاب أن يعمر . ويجوز أن يكون { هو } مبهماً و{ أن يعمر } موضحه . والزحزحة المباعدة والتنحية . { والله بصير بما يعملون } فيه تهديد لأهل البغي والعناد ، وزجر للعصاة عن الفساد . والبصر قد يراد به العلم يقال فلان بصير بهذا الأمر أي عارف به ، وقد يراد به أنه على صفة لو وجدت المبصرات لأبصرها ، وكلا الوصفين يصح عليه سبحانه ما لم يثبت له جارحة . فإن قلنا : إن من الأعمال ما لا يصح أن يرى ، تعين حمل البصر فيه على العلم والله أعلم بالصواب . وإليه المرجع والمآب .