غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَلَمَّا جَآءَهُمۡ كِتَٰبٞ مِّنۡ عِندِ ٱللَّهِ مُصَدِّقٞ لِّمَا مَعَهُمۡ وَكَانُواْ مِن قَبۡلُ يَسۡتَفۡتِحُونَ عَلَى ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَمَّا جَآءَهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِۦۚ فَلَعۡنَةُ ٱللَّهِ عَلَى ٱلۡكَٰفِرِينَ} (89)

87

{ ولما جاءهم } جوابه محذوف وهو نحو : كذبوا به واستهانوا بمجيئه . ويجوز أن يكون جوابه هو جواب " لما " الثانية المكررة للتأكيد لطول الكلام نحو قوله

{ فلا تحسبنهم بمفازة } [ آل عمران : 188 ] بعد قوله { لا تحسبن } [ آل عمران : 188 ] . واتفقوا على أن المراد بالكتاب هو القرآن ، ووجه تصديقه لما معهم ليس هو الموافقة في أصول الشرائع ، لأن جميع كتب الله كذلك ، بل المراد ما يختص بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم من العلامات والنعوت والصفات . والتحقيق أن ذكر الكتاب ههنا كناية عن الرسول لأن الرسول يلزمه الكتاب عرفاً أو مجازاً لأن الكتاب مستلزم للرسول لا محالة يدل على ذلك قوله { يستفتحون على الذين كفروا } [ البقرة : 89 ] وذلك أن اليهود قبل مبعث محمد صلى الله عليه وسلم ونزول القرآن كانوا يسألون به الفتح والنصرة على المشركين إذا قاتلوهم يقولون : اللهم انصرنا بالنبي المبعوث في آخر الزمان الذي نجد نعته وصفته في التوراة . وكانوا يقولون لأعدائهم من المشركين : قد أظل زمان نبي يخرج بتصديق ما قلنا فنقتلكم معه قتل عاد وإرم . وقيل : معنى يستفتحون يفتحون عليهم ويعرفونهم أن نبياً يبعث منهم قد قرب أوانه . والسين للمبالغة أي يسألون أنفسهم الفتح عليهم كالسين في " استعجب " و " استسخر " ، أو يسأل بعضهم بعضاً أن يفتح عليه ، { فلما جاءهم ما عرفوا } من الحق وهو نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ، ويجوز أن تكون { ما } بمعنى " من " نحو : سبحان ما سخركن لنا أي فلما جاءهم النبي صلى الله عليه وسلم الذي كانوا يعرفونه كما يعرفون أبناءهم

{ كفروا به } ، إما لأنهم كانوا يظنون أن المبعوث يكون من بني إسرائيل لكثرة مجيء الرسل منهم فيرغبون الناس في دينه ويدعونهم إليه فلما بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم من العرب من ذرية إسماعيل عليه السلام عظم ذلك عليهم فأظهروا التكذيب بغياً وحسداً وعناداً ولدداً ، وإما لأنهم ظنوا أنه صلى الله عليه وسلم مبعوث إلى العرب خاصة ، وإما لأن اعترافهم بنبوته كان يوجب عليهم زوال رياساتهم ومكاسبهم فأبوا وأصروا على الإنكار . فكفرهم إذاً كفر عناد ، { فلعنة الله } وهي الإبعاد عن الخيرات الحقيقية الباقية { على الكافرين } أي عليهم ، فوضع الظاهر موضع المضمر ليدل على أن اللعنة إنما لحقتهم لكفرهم ، واللام للعهد أو للجنس ويدخلون فيه دخولاً أولياً . فإن قيل : أليس أنه تعالى ذكر

{ وقولوا للناس حسناً } [ البقرة : 83 ] قلنا : العام قد يخص ، وأيضاً لعن من يستحق اللعن حسن ، وأيضاً أولئك بالنسناس أشبه منهم بالناس

{ أولئك كالأنعام بل هم أضل } [ الأعراف : 179 ] .

/خ91