غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَلَن يَتَمَنَّوۡهُ أَبَدَۢا بِمَا قَدَّمَتۡ أَيۡدِيهِمۡۚ وَٱللَّهُ عَلِيمُۢ بِٱلظَّـٰلِمِينَ} (95)

92

ثم إنه تعالى بين انتفاء اللازم بقوله { ولن يتمنوه أبداً } وبرهن عليه بقوله { بما قدمت أيديهم } أي بما أسلفوا من موجبات النار كالكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم وبالقرآن وكتحريف كتاب الله وسائر قبائح أفعالهم . وذكر الأيدي مجاز لأن أكثر الأعمال يتم بمباشرة اليد . وقوله { ولن يتمنوه أبداً } من المعجزات لأنه إخبار بالغيب ، وكان كما أخبر به كقوله { ولن تفعلوا } [ البقرة : 24 ] وذلك أن التمني ليس من أعمال القلب حتى لا يطلع عليه أحد ، وإنما هو قول الإنسان بلسانه تمنيت أو ليت لي كذا ، ومحال أن يقع التحدي بما في الضمائر والقلوب . فلو إنهم تمنوا لنقل ذلك كما ينقل سائر الحوادث العظام ، ولكان ناقلوه من أهل الكتاب وغيرهم من أولى المطاعن أكثر من الذرّ . وأيضاً لو كان التمني بالقلوب وتمنوا لقالوا قد تمنينا الموت في قلوبنا ولم ينقل أنهم قالوا ذلك . وأيضاً لولا أنه تعالى أوحى إليه أنهم لم يتمنوا لم يكن في العقل رخصة الإقدام على مثل هذا الإلزام ، لأنه في غاية السهولة ، وإذا ثبت انتفاء اللازم ثبت انتفاء الملزوم بالضرورة وهو أن لا تكون الدال الآخرة لهم خالصة ، وأما أنها ليست لهم بالاشتراك أيضاً ، فيستفاد من الآية التالية . وفي قوله { والله عليم بالظالمين } إشارة أيضاً إلى ذلك لأنه إذا كان محيطاً بسرهم وعلانيتهم وقد قدموا من القبائح ما قدموا فيجازيهم بما يحقون له . وفي وضع الظاهر وهو بالظالمين مقام المضمر وهو بهم إشارة أخرى إلى سوء منقلبهم

{ وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون } [ الشعراء : 227 ] واللام إما للعهد وإما للجنس ، فيشملهم أولاً وغيرهم من الظلمة ثانياً . فإن قيل : ما الفائدة في قوله ههنا { ولن يتمنوه } وفي سورة الجمعة { ولا يتمنونه }

[ الجمعة : 7 ] ؟ قلنا : لأن الدعوى هنا كون الدار الآخرة خالصة لهم ، وهناك كونهم أولياء لله من دون الناس ، والأول مطلوب بالذات ، والثاني وسيلة إليه ، فناسب أن ينفي الأول بما هو أبلغ في إفادة النفي وهو { لن } ، أو لأن الدعوى الثانية أخص فإنه لا يلزم أن يكون كل من له الدار الآخرة ولياً بمعنى أنه يلي النبي في الكمال والإكمال ، ونفي العام أبعد من نفي الخاص كما أن إثبات الخاص في قولك " فلان ابن فلان موجود " أبعد من إثبات العام في قولك " الإنسان موجود " . فحيث كانت الدعوى الأولى أبعد احتيج إلى أداة هي في باب النفي أبلغ .