مدارك التنزيل وحقائق التأويل للنسفي - النسفي  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ جَآءُو بِٱلۡإِفۡكِ عُصۡبَةٞ مِّنكُمۡۚ لَا تَحۡسَبُوهُ شَرّٗا لَّكُمۖ بَلۡ هُوَ خَيۡرٞ لَّكُمۡۚ لِكُلِّ ٱمۡرِيٕٖ مِّنۡهُم مَّا ٱكۡتَسَبَ مِنَ ٱلۡإِثۡمِۚ وَٱلَّذِي تَوَلَّىٰ كِبۡرَهُۥ مِنۡهُمۡ لَهُۥ عَذَابٌ عَظِيمٞ} (11)

{ إِنَّ الذين جَاءوا بالإفك } هو أبلغ ما يكون من الكذب والافتراء ، وأصله الأفك وهو القلب لأنه قول مأفوك عن وجهه والمراد ما أفك به على عائشة رضي الله عنها ، قالت عائشة : فقدت عقداً في غزوة بني المصطلق فتخلفت ولم يعرف خلو الهودج لخفتي ، فلما ارتحلوا أناخ لي صفوان بن المعطل بعيره وساقه حتى أتاهم بعد ما نزلوا فهلك فيّ من هلك ، فاعتللت شهراً وكان عليه الصلاة والسلام يسأل « كيف أنت » ولا أرى منه لطفاً كنت أراه حتى عثرت خالة أبي أم مسطح فقالت : تعس مسطح فأنكرت عليها فأخبرتني بالإفك ، فلما سمعت ازددت مرضاً وبت عند أبوي لا يرقأ لي دمع وما أكتحل بنوم وهما يظنان أن الدمع فالق كبدي حتى قال عليه الصلاة والسلام « ابشري يا حميراء فقد أنزل الله براءتك » فقلت : بحمد الله لا بحمدك { عُصْبَةٌ } جماعة من العشرة إلى الأربعين واعصوصبوا اجتمعوا وهم : عبد الله بن أبي رأس النفاق ، وزيد بن رفاعة ، وحسان بن ثابت ، ومسطح بن أثاثة ، وحمنة بنت جحش ومن ساعدهم { مّنكُمْ } من جماعة المسلمين وهم ظنوا أن الإفك وقع من الكفار دون من كان من المؤمنين { لاَ تَحْسَبُوهُ } أي الإفك { شَرّاً لَّكُمْ } عند الله { بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ } لأن الله أثابكم عليه وأنزل في البراءة منه ثماني عشرة آية ، والخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعائشة وصفوان ومن ساءه ذلك من المؤمنين { لِكُلّ امرىء مّنْهُمْ مَّا اكتسب مِنَ الإثم } أي على كل امريء من العصبة جزاء إثمه على مقدار خوضه فيه ، وكان بعضهم ضحك وبعضهم تكلم فيه وبعضهم سكت .

{ والذى تولى كِبْرَهُ } أي عظمه عبد الله بن أبيّ { مِنْهُمْ } أي من العصبة { لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ } أي جهنم . يحكى أن صفوان مر بهودجها عليه وهو في ملأ من قومه فقال : من هذه ؟ فقالوا : عائشة . فقال : والله ما نجت منه ولا نجا منها .