محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{أُوْلَـٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ طَبَعَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمۡ وَسَمۡعِهِمۡ وَأَبۡصَٰرِهِمۡۖ وَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡغَٰفِلُونَ} (108)

[ 108 ] { أولئك الذين طبع الله على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم وأولئك هم الغافلون 108 } .

[ 107 ] { ذلك بأنهم استحبّوا الحياة الدنيا على الآخرة وأن الله لا يهدي القوم الكافرين 107 } .

{ من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم * ذلك بأنهم استحبّوا الحياة الدنيا على الآخرة وأن الله لا يهدي القوم الكافرين * أولئك الذين طبع الله على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم ، وأولئك هم الغافلون * لا جرم أنهم في الآخرة هم الخاسرون } .

لما بيّن تعالى فضل من آمن وصبر على أذى المشركين ، في المحاماة عن الدين ، تأثره ببيان ما للردة وإيثار الضلال على الهدى ، من الوعد الشديد بهذه الآيات . واستثنى المكره المطمئن القلب بالإيمان بالله ورسوله . فإنه إذا وافق المشركين بلفظ ، لإيلام قوي وإيذاء شديد وتهديد بقتل ، فلا جناح عليه . إنما الجناح على من شرح بالكفر صدرا ، أي : طاب به نفسا واعتقده ، استحبابا للحياة الدنيا الفانية ، أي : إيثارا لها على الآخرة الباقية ، فذاك الذي له ن الوعيد ما بينته الآيات الكريمة ، من غضب عليهم أولا . وعذابه العظيم لهم ، وهو عذاب النار ثانيا . وعدم هدايتهم باختيارهم الكفر ثالثا . ورابعا بالطبع على قلوبهم بقساوتها وكدورتها . فلم ينفتح لهم طريق الفهم . وعلى سمعهم وأبصارهم بسدّ طريق المعنى المراد من مسموعاتهم ، وطريق الاعتبار من مبصراتهم إلى القلب . فلم يؤثر فيهم شيء من أسباب الهداية من طريق الباطن من فيض العلم وإشراق النور . ولا من طريق الظاهر بطريق التعليم والتعلم والاعتبار من آثار الصنع . وخامسا بكونهم هم الغافلين ، بالحقيقة ، لعدم انتباههم بوجه من الوجوه . وامتناع تيقظهم من نوم الجهل بسبب من الأسباب . وجليّ ، أن كل نقمة من هذه الخمس ، على انفرادها ، من أعظم الحواجز عن الفوز بالخيرات والسعادات . فكيف بها كلها !

قال الرازي : ومعلوم أنه تعالى إنما أدخل الإنسان الدنيا ليكون كالتاجر الذي يشتري بطاعاته سعادات الآخرة . فإذا حصلت هذه الموانع عظم خسرانه . فلهذا قال : { لا جرم أنهم في الآخرة هم الخاسرون } ، أي : الذين ضاعت دنياهم التي استنفذوا في تحصيلها وسعهم ، وأتلفوا في طلبها أعمارهم ، وليسوا من الآخرة في شيء إلا في وبال التحسرات .