محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{وَلَمَّا جَآءَهُمۡ رَسُولٞ مِّنۡ عِندِ ٱللَّهِ مُصَدِّقٞ لِّمَا مَعَهُمۡ نَبَذَ فَرِيقٞ مِّنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ كِتَٰبَ ٱللَّهِ وَرَآءَ ظُهُورِهِمۡ كَأَنَّهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ} (101)

قوله تعالى :{ ولما جاءهم رسول من عند الله مصدق لما معهم نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون 101 } . { ولما جاءهم رسول من عند الله مصدق لما معهم نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون } تصريح بما طوى قبلُ . فإن نبذهم العهود التي تقدم الله إليهم في التمسك بها والقيام بحقها ، أعقبهم التكذيب بالرسول المبعوث إليهم وإلى الناس كافة ، الذي في كتبهم نعته ، كما قال تعالى : { الذين يتّبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل } {[675]} . الآية ، فتنكير " رسول " للتفخيم . والجار بعده متعلق بجاء ، أو بمحذوف وقع صفة لرسول ، لإفادة مزيد تعظيمه بتأكيد ما أفاده التنكير من الفخامة الذاتية بالفخامة الإضافية ، وقوله : { كتاب الله } يعني التوراة ، لأنهم بكفرهم برسول الله ، المصدق لما معهم ، كافرون بها ، نابذون لها . وقيل : { كتاب الله } القرآن نبذوه بعد ما لزمهم تلقيه بالقبول . وقوله : { وراء ظهورهم } مثل لتركهم وإعراضهم عنه ، مثل بما يرمي به وراء الظهر استغناء عنه ، وقلة التفات إليه . وقوله : { كأنهم لا يعلمون } جملة حالية ، أن نبذوه وراء ظهورهم ، مشبَّهين بمن لا يعلمه . فإن أريد بهم أحبارهم ، فالمعنى كأنهم لا يعلمونه على وجه الإيقان ، ولا يعرفون ما فيه من دلائل نبوته صلى الله عليه وسلم . ففيه إيذان بأن علمهم به رصين ، لكنهم يتجاهلون . أو كأنهم لا يعلمون أنه كتاب الله ، أو لا يعلمونه أصلا ، كما إذا أريد بهم الكل . وفي هذين الوجهين ، زيادة مبالغة في إعراضهم عما في التوراة من دلائل النبوة . وهذا ، وإن أريد بما نبذوه من كتاب الله القرآن ، فالمراد بالعلم المنفي في { كأنهم لا يعلمون } هو العلم بأنه كتاب الله ، ففيه ما في الوجه الأول من الإشعار بأنهم متيقنون في ذلك ، وإنما يكفرون به مكابرة وعنادا .


[675]:[7/ الأعراف/ 157] ونصها: {الذين يتّبعون الرسول النبي الأميّ الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التّوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحلّ لهم الطّيّبات ويحرّم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال الّتي كانت عليهم فالّذين آمنوا به وعزّروه ونصروه واتّبعوا النّور الّذي أنزل معه أولئك هم المفلحون 157}.