محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{وَلَن يَتَمَنَّوۡهُ أَبَدَۢا بِمَا قَدَّمَتۡ أَيۡدِيهِمۡۚ وَٱللَّهُ عَلِيمُۢ بِٱلظَّـٰلِمِينَ} (95)

وقوله : { ولن يتمنّوه أبدا بما قدّمت أيديهم والله عليم بالظالمين 95 } .

{ ولن يتمنّوه أبدا } من المعجزات لأنه إخبار بالغيب . وكان كما أخبر به . كقوله : { ولن تفعلوا } {[658]} . { بما قدّمت أيديهم } بما أسلفوا من أنواع العصيان . واليد مجاز عن النفس . عبر بها عنها ، لأنها من بين جوارح الإنسان ، مناط عامة صنائعه . ولذا كانت الجنايات بها أكثر من غيرها . ولم يجعل المجاز في الإسناد ، فيكون المعنى بما قدموا بأيديهم ، ليشمل ما قدموا بسائر الأعضاء { والله عليم بالظالمين } أي بهم . تذييل بالتهديد . والتنبيه على أنهم ظالمون في دعوى ما ليس لهم ، ونفيه عمن سواهم . ونظير هذه الآية في سورة الجمعة قوله تعالى : { قل يا أيها الذين هادوا إن زعمتم أنكم أولياء لله من دون الناس فتمنّوا الموت إن كنتم صادقين * ولا يتمنّونه أبدا بما قدّمت أيديهم والله عليم بالظالمين } {[659]} .

وقد تلطف الغزاليّ في توجيه الإتيان ب " لن " هنا و " لا " في سورة الجمعة بأن الدعوى هنا أعظم من الثانية ، إذ السعادة القصوى هي الحصول في دار الثواب ، وأما مرتبة الولاية فهي ، وإن كانت شريفة إلا أنها إنما تراد ليتوسل بها إلى الجنة . فلما كانت الدعوى الأولى أعظم ، لا جَرَمَ بيّن تعالى فساد قولهم بلفظ " لن " لأنها أقوى الألفاظ النافية . ولما كانت الدعوة الثانية ليست في غاية العظمة اكتفى في إبطالها بلفظ " لا " لأنه ليس في نهاية القوة ، في إفادة معنى النفي . والله أعلم .


[658]:[2/ البقرة/ 24] ونصها: {فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعدّت للكافرين 24}.
[659]:[62/ الجمعة/ 6 و7].